السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
----------
قال تعالى :
{ إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } .
قال ابن عباس وجماعة :
نزلت في اليهود والنصارى ، وقيل في اليهود لكتمهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم التي في التوراة ،
وقيل : إنها عامة ،
وهو الصواب لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ،
ولأن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية ،
وكتمان الدين يناسب استحقاق اللعن ؛
فوجب عموم الحكم عند عموم الوصف ،
وقد صرح جمع من الصحابة بالعموم كعائشة فإنها استدلت بالآية على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكتم شيئا مما أوحي إليه ،
وأبي هريرة فإنه احتج بأنه لولا هذه الآية ونحوها ما كثر الحديث ،
والكتم ترك إظهار الشيء المحتاج إلى إظهاره ،
ونظيرها
قال تعالي
{ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (174) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار (175) }
سورة البقرة
ونظيرها أيضا :
قال تعالي
{ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون (187) }
سورة آل عمران
فهاتان ، وإن كانتا في اليهود أيضا لكتمهم صفته صلى الله عليه وسلم وغيرها إلا أن العبرة بعموم اللفظ كما تقرر : والبينات : ما أنزل على الأنبياء من الكتب والوحي .
والهدى : الأدلة النقلية والعقلية ،
ومن بعد : ظرف ليكتمون ، لا لأنزلنا لفساد المعنى .
قيل :
وفي الآية دلالة على أن من أمكنه بيان أصول الدين بالدلائل العقلية لمن كان محتاجا إليها ثم تركها أو كتم شيئا من أحكام الشرع مع الحاجة إليه فقد لحقه هذا الوعيد
انتهى ؛
واللعنة لغة الإبعاد ، وشرعا الإبعاد من الرحمة ، اللاعنون : دواب الأرض وهوامها تقول : منعنا القطر لمعاصي بني آدم ، ولإدراكها ذلك جمعت بالواو والنون جمع من يعقل نحو
{ رأيتهم لي ساجدين }
{ في فلك يسبحون }
{ أعناقهم لها خاضعين }
كل شيء إلا الجن ، والإنس المؤمنين كلهم ، الملائكة والأنبياء والأولياء ، أقوال .
وصوب الزجاج أنهم الملائكة والمؤمنون .
ورد الأول بأنه يتوقف على نص ولم يوجد ،
ورده القرطبي بأنه جاء به خبر في ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم فسر اللاعنون بدواب الأرض ،
وقال الحسن : هم جميع عباد الله .
قال بعض المفسرين : دلت الآية على أن هذا الكتمان من الكبائر لأنه - تعالى - أوجب فيه اللعن ، والنبذ وراء الظهر كناية عن الإعراض الشديد ،
والثمن القليل ما كانوا يأخذونه من سفلتهم برئاستهم في العلم ،
{ فبئس ما يشترون }
معناه قبح شراؤهم وخسروا فيه