كان الشتاء عند الإيرانيين في الأزمنة القديمة ينقسم إلى قسمين أحدهما «الشتاء الكبير» والثاني «الشتاء الصغير». يستمر الشتاء الكبير من بداية شهر آبان إلى نهاية شهر بهمن (۲۳ تشرين الأول إلى ۱۹ شباط) لمدة ۱۲۰ يوماً، ويبدأ الشتاء الصغير مع بداية شهر إسفند إلى السادس من شهر فروردين (من ۲۰ شباط إلى ۲۶ آذار) حسب التقويم الإيراني، حيث كان السادس من فروردين بداية السنة وعيد النوروز.
اليوم المائة من الشتاء الكبير والذي يصادف العاشر من بهمن كان يسمّيه الإيرانيون المئوية (سده أو سدگ) أي المائة يوم. وكانوا يوقدون في هذا اليوم النيران لأنهم يعتقدون أن البرد فيه يصل إلى الذروة، ويقيمون احتفالاً كبيراً بإشعال النيران من أجل مكافحة عفريت البرد أو ظاهرة البرد الشيطانية التي تتسبب بأضرار كبيرة للزروع والمحاصيل والحيوانات والمواشي. كانت النار التي يعتبرها الإيرانيون القدامى تجلياً وعلامة لأورمزد (أهورا مزدا) سبباً في ابتعاد القوى الشيطانية.
وكان إشعال النيران يتم بأشكال مختلفة منها النيران الكبيرة في الأراضي الزراعية، أو فوق السطوح أو في الأزقة والشوارع. ويقال إن من أساليب الأخرى لإشعال النيران تدهين أبدان عدد من الطيور وإحراقها وتركها تطير في السماء.
أما منذ متى بدأ احتفال المئوية يقام في إيران وهل هو احتفال وطني أم ديني، فهذه أسئلة نجيب عنها في السطور التالية.
لم يرد ذكر لاحتفال المئوية في التاريخ والدين والأساطير قبل الإسلام، ولكن تشير مصادر عديدة، منها كتب تاريخية وأدبية، إلى أن احتفال المئوية كان يقام إلى الزمن الصفوي على الأقل في العاشر من بهمن (۳۰ كانون الثاني) من كل سنة بشكل منتظم في إيران والبلدان الناطقة بالفارسية.
وافتقدت إقامة هذا الاحتفال بعد العهد الصفوي نظاماه وترتيبها السابق، فكان يقام بشكل متفرق في بعض المدن الإيرانية مثل كرمان وبعض مدن محافظات مازندران وگرگان وسمنان وخراسان.
مفردة المئوية (سده) ووجه التسمية
ربما كان الجانب الأبرز لاهتمام الكتاب والعلماء باحتفال المئوية أو حتى اسم المئوية هو اكتشاف سبب إقامة هذا الاحتفال. بعض الباحثين يرون اشتقاق اسم (سده) من كلمة (صد) في الفارسية التي تعني المائة.
يكتب أبو ريحان البيروني العالم الإيراني الكبير في هذا الخصوص: «يقولون مئوية (سده) بمعنى مائة (صد)، وهي ذكرى أردشير ابن بابكان. وقيل إن السبب والعلة في هذا الاحتفال أنه متى ما حسبوا الأيام والليالي بين المئوية وآخر السنة بشكل منفصل نتج العدد مائة. ويقول البعض إن السبب هو أن عدد أولاد كيومرث أصبحوا في هذا اليوم مائة بالضبط، وجعلوا أحدهم ملكاً على الجميع».
يعتقد بعض الباحثين أن أبناء «مشي» و«مشيانه» أصبح عددهم مائة، وورد أيضاً «إن أبناء آدم أبي البشر وصل عددهم في هذا اليوم إلى مائة ولد».
والرأي الآخر هو أن المئوية تشير إلى اليوم المائة من الشتاء في التقويم القديم. التقويم الذي كان يقسّم السنة إلى فصلين هما الصيف الذي يمتد لسبعة أشهر (من شهر فروردين إلى نهاية شهر مهر)، وفصل الشتاء الذي يمتد لخمسة أشهر (من شهر آبان إلى نهاية شهر إسفند). وقال آخرون إن هذه التسمية جاءت بمناسبة مائة يوم بقيت على بدأ النماء وارتفاع سيقان الغلال في الأراضي الزراعية.
على كل حال مع أن عدد من يذهبون إلى وجود علاقة بين العدد مائة واحتفال المئوية أكبر من عدد أصحاب الآراء والنظريات الأخرى، وكان هذا الرأي هو المرجّح في معظم الكتب والمقالات والكتابات القديمة، إلا أن نظرية الأستاذ مهرداد بهار العالم الإيراني المعاصر تبدو أكثر منطقاً واستساغة.
يعتقد المرحوم الأستاذ مهرداد بهار: «يمكن اعتبار هذا العيد الذي يقام بعد بدء الشتاء بأربعين يوماً احتفالاً من احتفالات الشمس. فالشمس تبدأ ارتفاعها منذ بداية الشتاء لتصل ذروتها في بداية الصيف».
والشتاء هو طفولة الشمس، والربيع هو شبابها، والصيف كمالها، والخريف شيخوختها. في بداية الشتاء وفي ليلة يلدا التي لها علاقة بالولادة من حيث الجذور، تبدأ الشمس طفولتها من جديد، أو لنقل إنها تولد مرة أخرى».
طبقاً للأعراف والتقاليد التي كانت شائعة في إيران لم يكونوا يعرضون الطفل على أحد من الناس إلى أربعين يوماً بعد ولادته، ثم يقيمون احتفالاً يعرضون فيه الطفل على الجميع. في الليلة الأربعين بعد بدء الشتاء كانوا يقيمون احتفال المئوية للشمس المولودة حديثاً.
ومفردة سده من جذر Sand بمعنى الظهور والسفور والترائي. وإذن فاحتفال المئوية (سده) هو احتفال ظهور الشمس وترائيها للناس. في ليلة المئوية كانوا يشعلون النيران ويقيمون المراسم لتظهر الشمس في اليوم التالي بقوة. إذن، يمكننا القول إن المئوية في الواقع هي أربعينية الشمس (چلّه خورشيد)، ولهذه القضية طابع تقويمي. بعد أربعين يوماً من ولادة الشمس نجد نوعاً من مراسم سحرية لإشعال النيران تتعلق بالمئوية. لكن تبريرها بالعدد مائة اشتقاق عامي سطحي كما لو اعتبر خمسون يوماٌ وخمسون ليلة بقيت على النوروز تساوي مائة.
يعتقد أن سده جاءت من جذر Sand الأوستائية بمعنى الظهور. الشمس تظهر بعد أربعين يوماً. والعدد أربعون مقدس في الثقافة الإيرانية. ولا يزال الناس يقيمون المآتم لأمواتهم بعد أربعين يوماً على رحيلهم (چلّه). أو في الأزمنة الماضية كانوا لا يظهرون الطفل لعموم الناس إلّا بعد انقضاء أربعين يوماً على ولادته حسب المعتقد العامي.
مفردة سده Sadā اسم مؤنث بمعنى الظهور والتجلي، وتلفظ في الفارسية القديمة Sadok وفي الفارسية الوسيطة Sadag ، وقد اشتقت منها المفردة العربية «سذق» و«نوسذق».