كهانة الاحلام في اساطير العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

كهانة الاحلام في اساطير العراق العظيم

بقلم د.قيس الجنابي

الحلم، جمع احلام، وهو ما يرى النائم، غلبت الرؤيا على الشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يرى من الشر والقبيح، هذا من حيث اللغة، اما من حيث الاصطلاح فأن الحلم هو الطمأنينة عند سورة الغضب، او تأخير مكافأة الظالم وللاحلام صلة قريبة بالاساطير، لانهما ينطلقان من مصدر واحد، لذا نجد الاحلام في اساطير العراق العظيم على اصناف، هي:

(1)احلام تظهر بها الالهة إرادتها.

(2)الاحلام التي تعكس وضع العالم وسلامته الروحية والجسدية.

(3)الاحلام ذات الصفة التنبؤية.

واحلام القسم الاول على قسمين: أخبارية ورمزية، وغالباً ما تعكس الاحلام وضع الرائي، كما في احلام جلجامش وتموز، وهي احلام تنبؤية شائعة لانها تعكس ارادة الآلهة، ومن هذه الاحلام ايضاً حلم جوديا، وحلم نبوخذ نصر وحلم فرعون وفي التوراة احلام يعقوب ويوسف، ومن الاحلام ذات الصفة الرمزية احلام (البول) التي ذكرها كتاب الاحلام البابلي، واحلام المدينة، والاحلام التي تتعلق بممارسات معينة. اما من حيث طبيعتها في قوة التأثير، فهي على ثلاثة انواع: احلام بسيطة، احلام رمزية، احلام استطلاعية، وهي ذات صلة بالاحلام التنبؤية الرمزية كالاحلام التي تتعلق برموز الحيوانات في الحلم او التي لها علاقة بالنباتات.

والاحلام لدى الانسان البدائي ترتبط بثلاثة امور منها: انها ترتبط بالليل، ان الحلم يعطي لخبرات مجهولة تماماً، قد لا يمكن تصورها في الحياة الواعية.

يقدم الحلم تغيراً او فألاً، فهو نوع من التكهن والعرافة التي تقود الحالم إلى كشف ما يخفيه المستقبل، وهذا ما يجعل تغير الحلم نوعاً من العرافة التي لها صلة بقوى فوق الطبيعة ترسم تاريخ الانسان، فهي بالتالي ترتبط بالآلهة، وهذا ما يجعل عرافة الاحلام على مستويين:

1-عرافة ملهمة.

2-عرافة استنتاجية.

ولان الانسان في العالم القديم يشعر بأنه محاط بقوى خفية تحاول ان تضغط عليه او التسلط عليه ومعاقبته، فأنه كان يستعين بإله الاحلام (زقر) الذي يساعد المفسرين في دفع الشرور والتوصل إلى تفسير في صالح الحالم، من خلال مجموعة من الرقّى والتعويذات، فكان للاحلام كهنة وعرافة مثل الكاهن (مشمشو)، أو (شيبو)، وقد وثقت اسطورة (البار المتألم) بعض الاحلام مثل:

(كنت) مريضاً جداً في الحلم كما في اليقظة فإذا بشاب ذي قامة خارقة، ومقاييس بديعة وشباب ناصعة.. وهو موشح ببهاء فائق الطبيعة، ومتسربل بالرعب، ظهر لي ووقف فوقي.

وترتبط الاحلام بالتفسير والمفسرين، لان للأحلام آلهة ومهنة ومعابد، فقد ارتبط حلم الملك (جوديا) ببناء معبد للاحلام وتفسيرها، وكذلك هو حال حلم الآلهة (سين) وحلم (نبوخذ نصر)، فقد رأى (جوديا) ملك مدينة (لكَش) في الحلم ان الآلهة (نيدابا تطلعه على لوح كتب عليه النجوم السعيدة وإله يريه تصميم المعبد، والهيكل (أثينو) حيث آوى (جوديا) إلى الهيكل، وهناك حلم رأى فيه عملاقاً يلبس تاجاً إلهياً وله جناحاً طير عظيم وجسم سليم ينتهي اسفله بموجه فائضة، وعلي يمينه ويساره اسود صاغرة فكان هذا الحلم وسيلة لترسيخ سلطة الملك، لانه دفعه إلى تسخير كل الامكانات المادية والبشرية لبناء معبد الاحلام. فكأن الحلم كان لعبة سياسية. وفي حلم الاله (سن) يصبح الاله ملك جميع الآليهة، مما يعني ان الحلم استخدم لزيادة سلطة القوى المختلفة على الآلهة والبشر، ومن ثم استعبادهم مما يعني ان اوامر الآلهة غالباً ما تأتي على شكل حلم، فضلاً عن وجود آلهة خاصة بالاحلام ووجود مفسرة أو كاهنة لها، وهي (وتنسون) إلتي فسرت احلام (جلجامش) حيث جاء في الملحلمة:

(تنسون، دخلت إلى حجرتها، اغتسلت وتدلكت، بالصابونة، (ارتدت ثوباً) يناسب جسمها.

لهذا النص صلة واضحة بديانة عبادة الشمس التي كانت موجودة بعض البلدان وبالذات في بلاد الشام، مما يؤكد قوة شخصية جلجامش، وتفردها واطلاعها على الديانات التي حولها وتوسع ثقافتها، إلى جانب (تنسون) توجد كاهنة أخرى مفسرة احلام هي (كشتن- أنا) أخت (دموزي) المغنية ومفسرة الاحلام حيث يقترن الطرب بالكهانة وتفسير الاحلام، ولكن مفسر الاحلام له شخصية مؤثرة وكبيرة في اوساط الناس، فقد جاء في اسطورة (البار المتألم) ما يشير إلى ارتباطه بشخصية العرّاف كما يأتي:

اذا تركت العراق ومفسر الاحلام

لم أكن اكثر اقراراً حول الطريق التي يجب اتخاذها، وكانت لي احاديث أهل الشارع طوالع نحس وحيثما أنام خلال الليل، يكون حلمي مرعباً.

ويعتقد العراقيون ان للكاهن دوراً في جلب الاحلام الجميلة التي تكشف عن طالع حسن وذلك بالقيام بالادعية الخاصة التي تجلب الحظ السعيد والحلم المثمر، وذلك بتغيير الرموز التي يراها الانسان في حلمه فأن رؤية حيوانات ونباتات معينة لها أثرها في تحديد مستقبل الحلم، فثمة تفسيرات متقاربة مع فكرة تفسير الحلم في أيامنا منها:

اذا حلم رجل بأنه يحمل ماكولاً، فأن رغبات قلبه ستلبى ان ضرب شخص ما بقصبة، فأنه سيلقى سطح ماء، أما اذا رمى بنفسه أو طار، فأن الحظ سيفارقه ان كان معدماً، فان النحس سيتركه، ان نزل احد إلى باطن الارض وحيّاه ميت، فأن حائطاً سيسقط عليه ويقتله.

أما اذا قبله ميت فأنه سينال البركة.

فهذه الاحلام تتنبأ بمستقيل الانسان وما ينتظره في حياته القادمة من ظروف واوضاع.

د.قيس الجنابي