السلامُ عليكم ورحمة اللهِ وبركاتهُ
من حكايات الشعوب
الأمير والسائس
حكاية شعبية قازاخية
حدث ذلك في غابر الزمان. كان يحكم في قازاخستان، خان ظالم، لئيم، أسود القلب، كان يجهز على كل من يتجرأ على معارضته، ويضرب عنقه على النطع.
ظل هذا الخان المستبد يحكم، وظل الناس صابرين، يتحينون الفرصة للتخلص من هذا الظالم المتجبر.
وعاش في البلاد سائس خيول طيب، يتميز بالفتوّة، والذكاء، والقوة، وكان حصانه يسبق افضل حصان لدى الخان، في الجري., واستحق السائس، لقاء ذلك، تعيينه رئيساً للسائسين لدى الخان.
بيد ان الخان لم يكن ميالاً إلى السائس، بسبب ذكائه وجرأته. وذات يوم، أمر الخان، بدون علم السائس، جميع حاشية القصر، ان يضع كل واحد منهم بيضة في عبّه، وحذرهم بأن عليهم ان يخرجوا هذه البيضات عندما يأتي الايعاز إليهم بذلك، ومن لا تكون لديه بيضة، فليعتبر نفسه في عداد الموتى..
وحين جاء ايعازه بذلك، أخرج كل واحد من الحاشية بيضة من عبه الا السائس، الذي لم يعلم بذلك، ولم تكن لديه بيضة، ومع ذلك لم يرتبك، ولم يجزع، وبدأ يصفق بيديه، محدثاً ضجة قوية، كما يفعل الطائر بجناحية، وهو يصيح: كو - كا - ريكو!
سأله الخان:
*ماذا تفعل؟
فأجاب بحضور بديهة رائع:
-إذا كان قد اجتمع لديك هذا الحشد الكبير من الدجاج، أفليس من الحكمة والمنطق ان يوجد بينهم ديك واحد؟
وذات مرة، قال الخان غاضباً للسائس:
-أنا معجب بدهائك، ولكني سأزج بك في السجن، ان لم تحصل لي على حصان ليس له لون معين لا أبيض ولا أسود، ولا كميت ولا أشقر، ولا أبلق ولا اشهب والا أصهب!!
وراح الخان يعيد جميع الالوان.
-ما العمل؟ فكر السائس، لكنه لم يجزع، ولم يرتبك هذه المرة ايضاً، قال:
-سأجد الحصان الذي يطلبه الامير. ولكن ينبغي إرسال خادم الاصطبل، لاخذ الحصان، لا في يوم الاثنين ولا في يوم الثلاثاء ولا في يوم الاربعاء، ولا في يوم الخميس ولا في يوم الجمعة، ولا في يوم السبت، ولا في يوم الاحد!.
تحير الخان الظالم، واراد ان يبتكر طريقة جديدة للأجهاز على السائس الذكي.
قال له:
-أنت تعلم انني الحاكم المطلق، في هذه البلاد، وبالطبع لا يصلح لي شرب ذات الماء الذي تشربه الرعية! اذا كنت تريد البقاء، في عداد الاحياء، هات لي ماء غير اعتيادي، يليق بمقامي، ولا يهطل من السماء، ولا ينبع من الارض.
وامتثل السائس الحصيف، ابن الشعب البسيط، لأمر هذا الامير الظالم، ونفذّه بشكل غاية في الذكاء والابتكار. أخذ اربعين حصاناً وظل يسوقها في البرية أربعين يوماً، وأربعين ليلة، وعندما عاد بها إلى القصر، كان الزبد يتساقط من افواهها اللاهثة، كنديف الثلج، فجمع هذا الزبد في وعاء كبير، وقدمه للخان، قائلاً:
-هذا السائل، هذا الماء، لا يسقط من السماء، ولا ينبع من الأرض، وهو غير اعتيادي، مذاقاً ومصدراً، مثلماً أنت، ايها الامير، غير اعتيادي، عقلاً ومقاماً.
ولكن ترى هل ستشربه؟!
اهتاج الخان، أشد الاهتياج.
فقد تبين ان السائس الطيب أذكى بما لا يقاس من الخان الظالم.
بعد التشاور مع حاشيته، والمقربين منه، أمر الخان المستبد باحضار رجل يفوق بغبائه وحمقه كل حمقى الارض!
قال لافراد حاشيته:
-إذا احضرتهم شخصاً يثبت انه اغبى من ذلك الذي سيحضره السائس الشاب، سيحصل كل منكم على كيس من الذهب، أما هو فسيكون نصيبه النطع والسيف! وأما اذا احضر هو غبياً اكبر من في الغباء من ذلك الغبي الذي ستحضرونه، فان الذهب سيكون من حصته، وانتم ستقتلون.
وحل اليوم الموعود.
... لقد أحضرت عناصر الحاشية شخصاً وجدوه في القرية عندما كان جالساً على غصن شجرة، وهو يقطعة.
وانتظروا حتى سقط الغصن المقطوع، مع الرجل، فقبضوا عليه، واقتادوه إلى الخان.
ابتسم السائس الشاب الذكي، وسأل:
-هل ستأذن لي أيها الامير، ان أري الناس جميعاً، أغبى شخص في الدنيا حقاً، يبدو أمامه هذا، الاحمق، مثل الحكيم امام الحمار؟! هل انكم ستغضبون مني، وتقتلونني، إذا فعلت ذلك؟
-تكلم، أعدك بأني لن اغضب ولن اقتلك.
آنذاك فقط قال السائس:
-إن اغبى شخص في الدنيا، هو ذلك الذي يلحق الاذى بنفسه، وبالآخرين، ان هذا الاحمق الماثل امامكم، قد قطع غصناً كان قد جلس عليه، هو نفسه فلم يؤذ إلا نفسه .
-أما انت، أيها الخان، فإنك لا تؤذي بقسوتك وظلمك، نفسك، وحدها، بل انك تؤذي الناس جميعاً، هؤلاء الذين صبروا، كل هذه الاعوام، عليك وعلى اعمالك الظالمة!
-أيها الخان، إنك حقاً، أغبى رجل في الدنيا!
.... هاج الناس وماجوا.. وصاروا يضحكون ساخرين، أخيراً هذا الخان اغبى رجل في الدنيا...
واندفع الناس سيلا هادراً، وأحاطوا بالسائس، مؤيدين كلامه، ورفعوه على الايدي والاكتاف، عالياً، وطافوا به في الشوارع والطرقات، جميعاً.. ونصبوه أميراً عليهم..
.. ومنذ ذلك الحين، نسي الناس ذلك الخان الظالم، المستبد.. وخلدوا، في ذاكرتهم، ذلك السائس، الذكي، البسيط، الطيب، الشجاع... وهذا هو مصير كل ظالم مستبد...
الرئيسية 
