[size=36]عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {[size=36]في ذي القعدة تحَارُب القبائل (1), وعلامتهُ يُنهب الحاج (2) , وتكون ملحمة بمِنى (3) , يكثُرُ فيها القتلى , وتسيلُ فيها الدماء حتى تسيلُ دماؤهم على الجمرة (4) , وحتى يهرب صاحبهم –المهدي- , فيُؤتى بين الرُكن والمقام , فيُبَايع وهو كاره , يُقال لهُ : إن أبيتَ ضربنا عُنقك , يُبايعهُ مثلُ عدة ِ أهل بدر , ويرضى عنهُ ساكن السماء وساكن الأرض[/size][size=36]}3.[/size][/size]
[size=36]([size=36]1): من ضِمنهِ تنافسها وتصارعها في الانتخابات في سبيل الحصول على المقاعد النيابية.[/size][/size]
[size=36](2): من معاني النهب هنا هي السرقات وكثرة المصروفات.[/size]
[size=36](3): اجتماع حشدٌ عظيم من الحجيج لأداء المناسك.[/size]
[size=36](4): يُقتلون عند رمي الجمرات.[/size]
[size=36]وقد حذرَ الرسول عليه الصلاة والسلام من احتمالية وقوع هذه الحوادث المؤسفة عند رمي الجمرات في الحديث الذي رواه أبو داود , عن سليمان بن عمرو الأحوص الأزدي , عن أمهِ قالت : سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو في بطن الوادي وهو يقول : {يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا , إذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذَف}.[/size]
[size=36] حصى الخُذف : حجر صغير بحجم حبة الفول[size=36].[/size][/size]
[size=36]ويُرشدُ المعنى المباشر من هذا الحديث إلى ضرورة الرمي بالحجارة الصغيرة لتجنب أذية المسلمين وقتلهم بغير قصد . وأما فحوى الحديث ومعناهُ العام فإنهُ يُرشدنا إلى وجوب الحذر مطلقاً أثناء أداء شعائر الحج المختلفة, خاصةً في زماننا هذا الذي تكادُ تتفتقُ به المشاعر المقدسة من كثرة الناس الذين يؤمُون مكة والبيت الحرام عاماً بعد عام , لِذا أصبح من الواجب التزام النظام عند المشعر الحرام وإتباع كافة إجراءات السلامة والأمان.[/size]
[size=36]إن ما يصيب أمة الإسلام الآن من عذابٍ وهوان قبل ظهور المهدي عليه السلام هو خيراً لها من ناحيتان , الناحية الأولى هي أن الله يُطهر هذه الأُمة ويعذبها في الدنيا حتى لا يُعذبها يوم القيامة يوم الحسرة والندامة, وليكون هذا العذاب والهوان سبباً لتفزع الأمة إلى تصديق الإمام المُنتظر ونُصرته بعد أن يبعثهُ اللهُ غوثاً لأهل الإيمان, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة} رواه الترمذي.[/size]
[size=36]والناحية الثانية هي أن الله يُمهل الظالمين من أعداءه فتكثر خطاياهم فيحق عليهم غضبهُ سبحانهُ وينزل عذابهُ عليهم وعلى قُراهم وبلدانهم فيرتاح منهم أهل الإسلام وينجون من أذاهم, وعلى المسلمين الصبر والثبات على دينهم وطاعة إمامهم دون يأسٍ أو تذمُر بسبب استمرار العذاب أو تأخُر النصر, قال تعالى : {قال موسى لقومهٍ استعينوا بالله واصبروا , إن الأرضَ لله يُورثها من يشاءُ من عباده, والعاقبةُ للمتقين 128 قالوا أوُذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا. قال عسى ربكم أن يُهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون 129}4.[/size]
[size=36]وعن معاذ بن جبل , رضي الله عنه , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {لا تزال طائفةً من أمتي يقاتلون على الحق , ظاهرين على من ناوأهم , حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال. قال معاذ بن جبل : وهم بالشام}. أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما , وفي رواية : {لا تزال عصابةً من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها , وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها , لا يضرهم خذلان من خذلهم , ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة}.[/size]
[size=36]وقد جاء في الأثر أن عيسى عليه السلام يصلي خلف الإمام ويُبايعهُ وينزل في نُصرته ويُكمل مسيرته , وذلك بعد خروج المسيح الدجال واشتداد الحال على المؤمنين الثابتين , عن أبي أُمَامة الباهلي رضي الله عنهُ , قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وذكر الدجال , وقال فيه : {إن المدينة لتنفي خَبَثها , كما ينفي الكير خَبَثَ الحديد , ويُدعى ذلك اليوم يوم الخلاص}. قالت أمُ شريك : فأين العرب ُ يا رسول الله يومئذ؟ قال : {هم يومئذ قليل , وجُلُهم ببيت المقدس , وإمامُهُم مهديٌ رجلٌ صالح , فبينما قد تقدمَ يصلي بهم الصبح , إذ نزل عيسى ابنُ مريم , حين كَبَرَ للصبح , فرجع ذلك الإمام ينكُصُ , ليتقدم عيسى يُصلي بالناس , فيضع عيسى يدهُ بين كتفيه فيقول : تقدم فصلِها , فإنها لكَ أُقيمت. فيُصلي بهم إمامُهم}5.[/size]
[size=36] ونستدل من هذه الرواية على أن الإمام المهدي عليه السلام سينزل بيت المقدس ويصلي في مسجدها , وذلك قبل نزول المسيح عيسى عليه السلام من السماء وصلاتهُ فيها خلفهُ , وتعتبر صلاة عيسى عليه السلام في بيت المقدس خلف الإمام المهدي , تكراراً فردياً لصلاة الأنبياء الجماعية خلف سيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام جميعاً, وذلك بمعجزة ربانية وقعت ليلة أُسري بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى المسجد الأقصى من المسجد الحرام , وقد شكلت تلك المعجزة خروجاً عظيماً عن المألوف وكسراً لكل الحواجز والقيود التي يعرفها البشر , حاملةً في طياتها البُشرى الأولى بالفتح المُبين للمسلمين من مكة إلى قدس فلسطين , وقد كانت قريش في ذلك الحين تسخر من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام , لِما سَمِعوهُ من قول النبي عليه الصلاة والسلام لهم بأنهم سيملكون الأرض , وذلك أنه لم يكن بحُسبان قريش حينها أن قلة مُستضعفة من الرجال سوف تستطيع أن تزيل ملك فئتين عظيمتين مثل الروم وفارس , وقد شاءت الحكمة الربانية أن يتحقق هذا الفتح المُبين بأيدي الساخرين أنفسهم وذلك بعد أن هداهم الله ودخلوا في الدين.[/size]
[size=36]عن أبي سعيد الخُدري , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{يخرج رجل من أهل بيتي , ويعمل بِسُنتي , ويُنزل اللهُ لهُ البركةَ من السماء , وتُخرجُ الأرضُ لها بركتها , وتُملأُ به عدلاً , كما مُلئت ظُلماً وجوراً , ويعملُ على هذه الأمة سبع سنين , وينزلُ بيت المقدس}6. [/size]
[size=36]وكما بدأ الله سبحانه وتعالى رسالة الإسلام في مكة المكرمة ببعث نبيه محمد عليه الصلاة والسلام , فإنه جل في عُلاه سيختمُ هذه الرسالة الخالدة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ببعث وليه محمد المهدي عليه السلام ونزول نبيه عيسى عليه السلام , عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب , رضي الله عنه , قال : {قلتُ يا رسول الله , أمنا المهدي , أو من غيرنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل منا , يختمُ الله به الدين كما فتحهُ بنا}7. [/size]
[size=36] ختاماً أقول: رغم حب المسلمين وتعظيمهم لبيوت الله المُحرمة والمُقدسة في الأرض والسماء , وبغضهم الشديد لكل من يحاول الإساءة لهذه المقدسات بقصد أو بغير قصد , إلا أن حُرمة عُمَار هذه البيوت وبُناتها أعظم عند الله منها , عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول : (ما أطيبك وأطيب ريحك , ما أعظمك وأعظم حرمتك , والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك مالهُ ودمهُ , وإن نظنُ به إلا خيراً[size=36]) 8 .[/size][/size]
[size=36]وفي الحديث أيضاً: (لَهَدم الكعبة حجراً حجراً أهون من قتل المسلم) 9. [/size]
[size=36]وقد ذكر الطبراني في الصغير عن أنس رفعه (من آذى مسلماً بغير حق فكأنما هدم بيت الله) .[/size]
[size=36]ومما يزيد ألم المسلمين وحسرتهم في هذه الأيام ابتلاؤهم باستباحة كلا النوعين فيهم: حرمة الحجر وحرمة الدم , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.[/size]
[size=36]لطيفة قرآنية من سورة المعارج[/size]
[size=36]قال تعالى : {فلا أُقسمُ برب المشارق والمغاربِ إنا لقادرون 40 على أن نُبدلَ خيراً منهم وما نحنُ بمسبوقين 41} سورة المعارج. مسبوقين : مغلوبين عاجزين .[/size]
[size=36]هذا قسمٌ من الله جلت قدرتُه بنفسه العلِية يؤكد فيه قدرته على التبديل والتغيير وإن ظنَ العباد أن هذا مستحيل , وقد اقسم سبحانهُ وتعالى بربوبيته لمشارق الكواكب ومغاربها وبكل مشرق ومغرب, فالمشرق هو مبدأ كل أمر والمغرب هو منتهى أي أمر, فبداية الدنيا ونهايتها هُما مشرقها ومغربها, وبداية دعوة محمد عليه الصلاة والسلام وختامها هما مشرقها ومغربها, وقد قال ابن جرير في تفسير هذه الآيات أن الله عز وجل يقسم بقدرته على تبديل الطُغاة بالصالحين والمُستضعفين بالأقوياء, وقد كان هذا التبديل ضرباً من الخيال وغاية في الصعوبة في مشرق دعوة الإسلام التي بدأها النبي محمد عليه الصلاة والسلام, وهو اليوم في هذا الزمان الذي هو مغرب دولة الإسلام غايةً في الغرابة والاستبعاد من الأذهان, إلا أن الذي استطاع بعجائب قدرته نصر أهل مشرق دولة الإسلام على الرغم من قلتهم وضعف قوتهم وهوانهم على الناس , قادرٌ على أن ينصر أهل مغرب الإسلام وهم كما سلفهم الأول مُستضعفين في كل مكان, فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. وقد جاء هذا القَسمُ الرباني في الآية رقم 40 من سورة المعارج (السماوات التي هي مصاعد الملائكة) , حيثُ أن الرقم أربعين يُمثل الفرق في السنين بين وضع الملائكة للمسجد الحرام (مشرق الإسلام) ووضعها للمسجد الأقصى (مغربه) , و المعارج هي معراج الرسول محمد عليه الصلاة والسلام من المسجد الأقصى إلى السماوات العُلى, كما أن الرقم 40 يمثل الفترة الزمنية ما بين مولده سيدنا عليه الصلاة والسلام إلى بعثه الشريف , الذي كان سبباً في تغيير الله وتبديله لأحوال الشرك والوثنية والظلم في الأرض. وعلى هذه الطريق يُنتظر للأمة أن تسير بصحبة أبا عبد الله المهدي زعيم التغيير ومددهُ نبي الله عيسى الخليفة الأخير .[/size]
[size=36]عن حذيفة قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : { ويحُ هذه الأمة من ملوكٍ جبابرة , كيف يقتلون ويُخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم , فالمؤمن التقي يُصانعهم بلسانه , و يفرُ منهم بقلبه , فإذا أراد الله عز وجل أن يعيد الإسلام عزيزاً , قصم كل جبار , و هو القادر على ما يشاء أن يُصلح أمةً بعد فسادها ... ثم قال عليه الصلاة والسلام : يا حذيفة , لو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ واحد , لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من آل بيتي , تجري الملاحم على يديه , ويظهر الإسلام , لا يخلف وعده , وهو سريع الحساب } 10. [/size]
[size=36]وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على المبعوث رحمةً للعالمين محمداً, وعلى آله وأصحابه والتابعين. [/size]
[size=36] هوامش ومراجع:[/size]
[size=36] 1- أخرجه الإمام أبو عيسى الترمذي في (جامعه).[/size]
[size=36] 2- كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر , باب شرف المهدي وعظيم منزلته.[/size]
[size=36]3- سُنن الداني , لوحة 92.[/size]
[size=36]4- سورة الأعراف.[/size]
[size=36] 5- أخرجهُ الحافظ أبو نعيم في كتاب (الحِلية) , وأخرجهُ ابن ماجة في (سُننه).[/size]
[size=36]6- أخرجه الإمام الحافظ أبو نعيم في , صفة المهدي.[/size]
[size=36] 7- أخرجه جماعة من الحفاظ , منهم أبو القاسم الطبراني , وأخرجه نعيم بن حماد في نسب المهدي .الفتن لوحة 102 أ.[/size]
[size=36] 8- رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب.[/size]
[size=36] 9- ذكره الشيخ العجلوني في كشف الخفاء.[/size]
[size=36]10- أخرجهُ الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في (صفة المهدي).[/size]