| ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 5:00 am | |
| عودة المهدي المسيح قراءة قرآنية في طور إقامة (التوراة والإنجيل) على قاعدة تصديق وهيمنة القرآن
ان خاتمية الدين تقتضي انتهاء عصر المعجزات الحسية ، وإعلاناً بان النوع البشري قد بلغ النضج العقلي والرشد الاجتماعي والنبوغ المعرفي وأصبح المجتمع البشري من خلال التجربة والتسخير والسيطرة بغنى عن إقناعه عن طريق المعجزات المادية بان الدين لمصلحة الإنسان في التغيير والتطوير ضمن الثابت والمتحول وثبات النص مع حركة المحتوى بحسب المعرفة الزمنية فكان كمال الدين لذلك الأمر وحتى تبلغ الثقة في نفوس البشر مستوى تشكل حافز في التقدم والمدنية والاعتماد على إعمال العقل في عملية العمران والاستخلاف واتخاذ القران إماماً في التربية والتوجيه التاريخي والمعرفي، وان لكل شيء سببا فهو المعجزة الخالدة فالتغيير والنهضة خاضعة لمجموعة شروط موضوعية في الواقع ، فمن هنا كان الخلاف والقول بعدم مجيء عيسى ابن مريم المخلص قبل انتهاء الزمان ، وخاصة انه يأتي والمسلمين في أسوء حال والقوة والعلم في يد النصارى ، فهل يكفي سنوات لإصلاح المسلمين العقيم ، وإقناع النصارى بفساد عقيدتهم ، فهو عبد ورسول ولم يقتل على الصليب ،وإنهم كانوا من المخطئين ، وينزع الصليب والخنزير من نفوسهم فلا بد أن يكون المخلص سوبرمان مميز عن الآخرين، إذ كيف يصدقه الناس ويثبت دعواه بدون معجزات ومجيئه يعني إلغاء العقل ومصادرة الحرية وحجر على الناس وقهرهم على الدين وهذا بخلاف ما جاء في القران المجيد، لا إكراه في الدين، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لذا ظن بعض الناس عدم ورود نص في المخلص بصراحة واضحة في القرآن ، فهو من خرافات اليهود وذلك بسبب هجرهم القرآن ومنهج تأويله والمؤطر بظاهر سياق لفظ النص مع تقاطع ألفاظه كما سنرى وهو على أعماق سبعة وهذا بخلاف الباطنية التي لا تتقيد بجذر اللسان العربي وبظاهر نص سياق الآية جاء في كتابه (ولقد أتيناك سبعاً من المثاني والقران العظيم) (الحجر 87) والمثاني غير القرآن كما هو واضح وجمع مثنى أي طبقة فوق طبقة مثنية إلى سبع طبقات وهي عمق التأويل والذي لايعلمه إلا الله والراسخون لا يعلمونه كاملاً من ذلك دلالة منطوق القرآن ودلالة مفهومه ودلالة السياق ودلالة الأسلوب ودلالة الصياغة ومنهج تقاطع الألفاظ ودلالة الاصطلاح والدلالة اللسانية للجذر والحرف فمع أن المهدي ورد فيه عدة آلاف من الروايات عند الشيعة وأكثر من سبعين رواية صحيحة السند عند أهل السنة أكثرها تواتر عند أهل الحديث ، مع اختلاف وتناقض الروايات في طريقة ظهوره واسمه ومهمته فقال بعضهم هو شخصيتين برجل استناداً على رواية لامهدي إلا عيسى ومنهم قال هو اثنين ، ونتيجة لهذا الإشكال اضطرب المحدثون والفقهاء في الأمر وانعكس ذلك على سائر الناس ، مما دعا بعضهم إلى نفي صحة الروايات أصلاً ، مع أن المخلص أجمع عليه ملل أهل الأرض ومن مختلف الأديان . ولقد اجتهد المصلحون والساسة في التاريخ في توظيف فكرة عودة المهدي والمسيح على ضربين الأول: تم تسييس فكرة المهدي لإشباع طموح البعض ،فكان لها دور ايجابي في حركات التغيير والإصلاح الاجتماعي والثورة على الاستعمار رسميا وشعبياً، أشهرهم المهدي العباسي ، والمهدي احمد بن تومرت في بلاد المغرب والأندلس ، ومهدي السودان . والثاني: وهو الشائع فكانت فكرة المهدي لها الدور السلبي على الناس ، فقد ادلجة في الخلافات المذهبية وخاصة عند الشيعة فقد اتفقوا على غيابه وهو عندهم حي منذ أكثر من ألف عام واختلفوا على شخصيته وظهوره ودوره ، وهم ينتظرون خروجه كغيرهم من الأمم لتحقيق السيادة والتسلط واستغلال الموارد البشرية بالعنف والقهر وليس مستبعداً عبث أصابع غريبة دخيلة حاقدة لا تريد الخير للمسلمين والإنسانية . ومازال أمر المخلص المهدي والمسيح إلى اليوم يستغل من باب الدجل أفراد وطوائف ودول واستخبارات دولية لأهداف ودوافع مختلفة، ولا يمنع كل ما ذكرنا من جموع ركام الشبهات والدسائس لطمس الحقيقة القرآنية من كشفها للناس موقنين بأن قدرة الله عز وجل في المرحلة الأولى تحققت في إكمال الدين الخاتمي ولابد أن تتجلى للبشرية القدرة الثانية في مرحلة إقامة وحدة كتاب دين الله تعالى التوراة والإنجيل بتصديق وهيمنة القرآن وسوف يوفق كل من يعمل على تحقيق مشروعه ويهلك كل من يقف أمامه فلقد اقتضت سنة الله تعالى الجارية في التغيير الاجتماعي في التاريخ إيجاد القيادة وتحضيرها من خلال مصداقية تاريخية قبل بناء القاعدة الجماهيرية لتسهيل عملية التوجيه وتفعيل ضبط الفكر والعمل والمال من اجل النهضة فكانت الأنبياء والخلفاء من بعدهم بمثابة النواة تلتف من حولها الناس لتشكل سفينة نجاة الأمة في إظهار الدين والحق والعدل والسلام وتحقيق وعده بنصرة رسله والذين آمنوا معه ضمن معطى الواقع رغم كراهية المشركين لذلك ولا يعلم جنود ربك إلا هو؛ فالمسالة على ضوء القرآن المجيد ليست أمر خرافي أو فكرة انهزامية نسجت على خلفية الإحباط في التاريخ للهروب من مواجهة ضغط الفساد والاستبداد في الواقع ؛ فكيف نفسر وجود فكرة المهدي والمخلص في جميع الأديان والملل وقد ورد فيه عدداً من روايات نبوية تواترة عند محدثين ؛ وبغض النظر عن السند فليس هو منتهى الحكم على صحة الرواية فيجب النظر في متنها ومن ثم عرضها على كتاب الله تعالى الفرقان بين الحق والباطل ؛ بعيداً عن التأثر بأحداث التاريخ وخاصة تم استغلالها لأهداف سياسية ومذهبية كما ذكرنا فلا يصدنا عن الحقيقة شيء فكما أن بعض روايات الرسول هي سنة تابعة للتشريع القرآني يجب طاعتها وفي تركها إثم فكذلك بعض روايات النبوءة والتي تتعلق بالعلوم والمعارف وأنباء الماضي والحاضر والمستقبل ونبوءات مختلفة هي سنة تابعة لآيات النبوة يجب فهمها على ضوء منهج الكتاب والعلم وعدم الإيمان بها والاستفادة منها على ارض الواقع في تقويم السلوك البشري من الفساد والاستبداد تظل الكوارث والحروب والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية تحيط بنا (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) فيحجب عنا ما ينفعنا من نعمته ورحمته لطفاً منه حتى ننخرط في العمل في مشروعه وهو سفينة النجاة، فلا بد أن نفعل كما فعل المسلمون الأوائل حينما انتشر مرض الطاعون في عهد عمر الفاروق وأراد الصحابي أبو عبيدة الخروج فحاججه البعض برواية تقول بعدم الدخول أو الخروج في مثل هذه الحالة فرد عليهم في قوله إني افر من قدر الله إلى قدر الله، وكذا أثناء فتح القسطنطينية على يد الفارس محمد العثماني فكانت نبوءة ووعد النبي ص لأحد عوام المسلمين بلبس (سواري كسرى) احد عوامل رفع الروح المعنوية عند الناس وحافزا للنصر وتحقيق الهدف وشحن الأمة بالأمل، وقد تم النصر فعلاًًً وتحقق خبر الرواية واستدعي هذا الموعود المتواضع وألبسه الخليفة أمام الملأ سواري كسرى وهكذا كان الناس مشحونين بالطاقة الروحية وكلهم أمل بالنصر أثناء الفتح العثماني واليوم نفس السنن تتكرر( كما بدأنا أول خلق نعيده) إذ كما بدأ من الله تعالى وحي الدين بنوح عليه السلام منقذ ومخلص في مرحلة تاريخية سابقة سوف يظهر الدين قبل الرجوع إلى الله ليوم الحساب على يد منقذ ومخلص هو المهدي المسيح؛ وقد اختلف فيه بحسب الروايات على أقوال الأول المسيح ابن مريم هو المهدي على الحقيقة والثاني هو شبيه عيسى ابن مريم والثالث هو رجل من آل البيت يخرج في آخر الزمان يعاصره المسيح والرابع هو المهدي الغائب عند الشيعة في السرداب أو في الجبال ينتظرون فرجه أكثر من ألف عام والخامس كل فئة لها مهدي وقد يجتمع عشرات المهديين في الزمن الواحد كما حالنا اليوم والدليل الوحيد لمعرفة الحقيقة هو القرآن . إن كتاب الله تعالى فيه دلالات تحتاج إلى استنباط والغوص في أعماق التأويل للكشف عن شيفرة سلوك التاريخ البشري إلى يوم الدين ، من ذلك أطوار التاريخ البشري بمراحله السبعة وهي أيام الله (خلقكم أطواراً) وكل يوم يتميز بإمام ابتداء من يوم خلق آدم ثم نوح وإبراهيم وموسى ومحمد الخاتم ص فالمهدي المسيح موحد الملة والدين الخاتمي ثم الرجوع إليه في اليوم الآخر، فلكل مرحلة سلسلة من النبيين أو نبياً هو حجة الله تعالى على خلقه يقود مشروع الله عز وجل في التوحيد الخالص فلا خالق إلا هو لا عيسى ولا غيره ، وإقامة حكم رسالة التوراة والإنجيل على خلفية وهيمنة التصديق القرآني ، تحت راية الخلافة المدنية في الأرض بالعدل والسلام . وجاء في كتاب الله تعالى في سياق الحديث عن فرعون وقومه وانتقامه عز وجل منهم غرقاً (فلما ءاسفونا انتقنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين( أي سالفة وعبرة عجيبة للطواغيت ومثلاً للآخرين الذين لم يلحقوا بهم بعد. نزول شبيه ابن مريم (عليه السلام) مثلاً إن الأمثال في حياة الناس مهمة جداً، لأنها تكمن في مضمونها بساطة ووضوح الفكرة، وفي عرضها في سياق المناسبة تختصر الحوار وتبلور الفكرة وتبين الدليل وقد تثير عجب المتلقي فتؤثر في مستوى القناعة فتغير الحال (قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب ) (المائدة 31) لذا اهتم بها القران المجيد فجاءت أمثال كثيرة تساعد على توضيح المقصد أو إعمال العقل (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) (الحشر 21) وهكذا وجه القرآن إلى ضرب الأمثال والتفكر فيها لأنها بحد ذاتها تمثل خلاصة تراكم تجربة تاريخية أو تكشف عن قانون الأشياء نتيجة استقراء العلاقة المنطقية بينها (وما يعقلها إلا العالمون) (العنكبوت 43) إذن إدراك الأمثال والتفكر فيها ينتج أفكارا ويغير أحوالا ًمن هنا نأتي على مثلين ضربهما الله تعالى الأول لبني إسرائيل يتعلق في آية خلق عيسى عليه السلام فكانت المشابهة بعملية خلقه من أم بلا أب كخلق آدم ليكون آية لبني إسرائيل (إن مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (59 ال عمران) وأما المثل الثاني فهو موجه إلى قوم محمد ص في آخر الزمان قوله (ولما ضُرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون) (الزخرف 57( يصدون من دعوته إلى الصراط المستقيم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فهم مثل من قبلهم (بني إسرائيل ومن سلك مسلكهم) ويكون نزوله من علامات الساعة كما جاء في الآية (وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان انه لكم عدو مبين) (الزخرف 61) فالنزول روحي بمعنى الحضور على مسرح الحياة (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده) (النحل 2) وعيسى كلمته وروح منه ألقاها إلى مريم ولفظ الآية (ولما) يفيد أن شيئاً لم يقع بعد ووقوعه من المتوقع ومعنى لفظ ( ُضرب) على وزن جُعل، هو إيقاع شيء على شيء، ومنه ما ظهر أثره على غيره ، من الطبيعة والسجية والصيغة (ولقد ضربنا للناس في هذا القران من كل مثل) (الروم 58) وهنا في مثلنا ظهور اثر أخلاق المسيح عيسى عليه السلام في المهدي المسيح أي ضرب على مثال ما سواه ،لان خطاب الآية موجه إلى قوم محمد ص وضرب المثل بابن مريم ليس بالنسبة للأمومة ولكن بالنسبة إلى الولادة الروحية لذا قال مثلاً أي شبيهاً بالمولود ولادة روحية من غير أب أي لم يتلقى العلم من أحد وهذا ما دل عليه اللفظ مثلاً ًفالمشابهة بينهما أن الأول من غير أب- بيولوجي- والثاني من غير أب روحي إضافة إلى مشابهته بالصفات المعنوية والمسح بالدعوة بآخر الزمان والمقصود في آية ُضرب السابقة من خلال اللفظ والسياق والصياغة أن رجلاً من قومه أي من بني جنسه ليس من سكان الفضاء ومن أمة محمد ص يأتي متمثلاً أخلاق المسيح عيسى من خلال ولادة روحية شبيه بالولادة (المريمية) من دون أب فالمثل السابق هو الظهور الثاني لابن مريم ، حيث كانت مشابهته الأولى بعملية خَلق ادم وسوف تكون المشابهة الثانية بصفات خُلق عيسى ابن مريم لذا ُضرب به مثلاً مره ثانية لان المثل الأول كان لبني إسرائيل أما المثل الثاني فهو للمسلمين والناس أجمعين في طور المخلص من أطوار التاريخ في آخر الزمان ومن خلال المشروع الرباني والخريطة القرآنية، ومن الحكمة في ذلك إثبات بشريته وانه مات كما خلت من قبله الرسل ثم تابعت الآية (إذا قومك) تعرض موقف جمهور قوم محمد ص فهو عربي والقرآن عربي وليس بالمعنى العنصري ولكن بمعنى الخالص والصافي والنقي والفطري وأصل وأسس الشيء لذلك كان الناس امة واحدة فالعرب أم البشرية والعربية أم اللغات ، إذاً محمد ص الإنسان ينتمي إلى الإنسانية فقومه غير أمته لان القوم تتضمن المؤمن وغيره (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (يوسف 106 ) وموقفهم المفاجئ يومئذ بعدم اعتمادهم أي مقدمات موضوعية أو منطقية في صدهم ( منه يصدون)) الزخرف57 ( أي ينصرفون مما يدعوا إليه فلا يقبلون دعوته علما انه يدعو إلى القرآن لا إلى الإنجيل وإلى التوحيد لا إلى التثليث ويكسر الصليب ويقتل الخنزير في نفوس الناس ويوحد الملة الإسلامية ويقيم الشرائع الثلاث على قاعدة التصديق القرآنية (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما انزل إليكم من ربكم) (المائدة 68) الخطاب بحسب السياق موجه لكل من أتاهم الله كتاب أو نزل عليهم ، وجاءت الآيات القرآنية في سورة آل عمران تقص قصة مريم وابنها وفيها الملائكة حاملة البشرى بكلمة منه وباسمه الكامل ( المسيح عيسى ابن مريم) وذلك ليغطي مرحلتين - بني إسرائيل وآخر الزمن - فجاء في الآية ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل) (48 ال عمران) فنحصل على المعنى بعد مقاطعتها مع آية (ابن مريم مثلاً) فتعليم التوراة والإنجيل لعيسى وتعليم الكتاب والحكمة لابن مريم الشبيه في آخر الزمان لان ذكر اسم عيسى كاملا وبمختلف مقاطعه الثلاثة حوالي ثلاثين مرة في كتاب الله تعالى له دلالات خاصة بحسب الصيغة وسياق النص فذكر عيسى ابن مريم له دلالة وإفراد ابن مريم له دلالة أخرى وهو الشبيه الذي ينشر العدل والسلام في الأرض ولكن قوم محمد ص الذين اتخذوا القران مهجورا (يارب إن قومي اتخذوا هذا القران مهجورا) (30 الفرقان) ولا يصح القول بأن القرآن المجيد هجر في زمن الرسول ص فالمقصود قومه من بعده والى آخر الزمان وحين يبررون صدهم مما جاء به المهدي والمسيح (وقالوا ءألهتنا خير أم هو( الآية ( الزخرف 58) تبين حال المسلمين في ذلك الزمان وكيف تحولت مناهجهم التاريخية إلى عين منهج الله تعالى وقد صدهم الشيطان إتباع للآبائية: والاحتجاج بإجماع تاريخي أو إجماع مؤتمرات علمائهم وكذا إتباع الأكثرية: باتخاذ القاعدة الديمقراطية في ترجيح الأغلبية في مجال المعرفة ونصرة الحق وتركوا قاعدة الحق أحق أن يتبع وإتباع الهوى: بجعل منهج الله تابعاً لمفاهيمهم وعدم اتخاذه إماماً ظلماً وعدواناً مخالفين منهج الله تعالى بأنه تبياناً لكل شيء والمبين لنفسه ولغيره وعلينا إتباع أحسن ما يحمل منهج الله من خيارات في فهمه (واتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) (الزمر 55) فالتغيير والتطوير وما ينفع الناس يمكث في الأرض، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، لذا نراهم يسارعون في المقارنة بما عندهم من مناهج تاريخية تتعلق في اللغة والرواية والتفسير تخالف ما جاء به مثيل عيسى من البينات والحكمة في فهمه لبعض لما اختلفوا فيه في توحيد الأمة والملة وخلاصهم مما هم فيه من العذاب والكوارث والأزمات المختلفة (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون) (الزخرف 78) وهو القرآن المبين الذي يفسر نفسه بنفسه وتبياناً وتفصيلاً لكل شيء حتى آخر الزمان (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) فمن خلال فقهه لآيات القرآن يصدون ، وبحكم العادة يعكفون على تفاسيرهم التاريخية التي وضعوها نصرة لمنهج الطائفة والمذهب وكذا رواياتهم التي حكمت وفسرت منهج الله بقواعد ومناهج تاريخية والتي تحولت مع طول الزمن إلى أصنام وآلهة بديلة بل جعلوها عين منهج الله تعالى واعتبروها خير منه صداً منهم عن الحق والصراط المستقيم ثم تابعت الآية) ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون) (الزخرف 58 ) هم يعلمون الحقيقة ولكن يضربون بها عرض الحائط نفياً وما يريدون إلا الجدل والمراء والمخاصمة دفاعاً عن آلهتهم التاريخية؛ ثم تابعت الآية (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) (الزخرف 95 - 60 ) تتحدث عن ابن مريم بوصفه عبد ضمن المجموعة البشرية في ظهوره الوظيفي الأول والثاني وتؤكد إن هو إلا عبداً ليس إلهاً وقد انعم الله عليه بالنبوة والحكمة والوجاهة في الدنيا والآخرة وكما جعله في السابق مثلاً لمرحلة بني إسرائيل قادراً على جعله مثلاً لقومك في آخر الزمان في مرحلة وحدة الدين الخاتمي؛ فلا عجب لان الله بمشيئته قادر على جعل منكم ملائكة يخلفون فقدر الشبيه منكم وجعل جماعته سفينة النجاة ضمن شروط موضوعية، وإمامته وقيادته للناس جزء من سنن التغييرالالهي في تنفيذ مشروعه وتغليب الحق على الباطل وتحقيق وعده بنصرة رسله والذين معه ولولا امتناع مشيئته لجعل منكم ملائكة من باب بيان قدرته وان هذا اكبر من جعله بشرا ً روحانياً من غير أب روحي، بل ملائكة في الأرض يخلفون في نصرة الحق لشدة غيرته على الحق وحتى لا يكون للناس حجة جعل التغيير مرتبط بمعطيات الواقع؛ وبذلك يكون وجيها في الدنيا والآخرة ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) (ال عمران 45 ) إن بشرى الملائكة تستهدف حقبتين حقبة بني إسرائيل والتي جعلت محطة تأمل وعبرة ليوم الدين، وحقبة المهدي المسيح في آخر الزمان ومن المعلوم أن بدء الشريعة صحف إبراهيم وخاتمها محمد ص وموحدها مصدقة بالدين الخاتمي في آخر الزمان المسيح الشبيه وقد ورد اسم المسيح في الآية بالصيغة الكاملة ليدل على تغطيته الزمنيين فالمسيح عيسى في زمن بني إسرائيل حيث التقت روح التوراة مع روح الإنجيل فكان أوج تفسير الكتابين وبهما صار وجيها في الدنيا (كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين) (104الانبياء) وكذلك في آخر الزمان يضع شبيه المسيح عيسى (المهدي المسيح) بذور التقاء روح الإنجيل مع روح القران ليشكلان معاً أوج التفسير في زمنه فيكون بذلك وجيهاً في الآخرة ونتابع السورة ( وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان انه لكم عدو مبين) (الزخرف 61 - 62 ) أي أن مجيء المهدي بحسب سياق الآيات وبعض بشرى الروايات باعتباره هادياً للبشر وماسحاً بدعوته الأرض من دلائل الساعة فلا تشككن بها في آخر الزمان وهذا من أدلة صدقه انه يأتي في أسوء زمن حيث الظلم والجهل والتخلف وتكالب الصليبية والاستعمار وهجر القرآن إضافة إلى الكوارث والأزمات والحروب وفي هذه الظروف يدعوا إلى إتباعه بترك كل ما يشغلهم عن الصراط المستقيم للذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين واتخاذ الشيطان عدوا مبين وهذا من أدلة صدقه لان الصراط المستقيم إتباع خاتم النبيين فلا يصدنكم منه صدودا؛ ونتابع الآية )ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله واطيعون) ( الزخرف 63 ( خبر تعالى حين مجيء عيسى المثل الثاني بالبينات وهي خلاف المعجزات المادية كما في المرة الأولى الدالة على صدق نبوته بل بالبينات العقلية والنقلية كما يقتضي كمال الدين الخاتمي فمجيئه بالحكمة وبأحسن مفهوم لمنهج الله تعالى في تأويل آياته ليبين بعض الذي تختلفون فيه وليس كل شيء لان تأويل القرآن يستمر إلى نهاية الكون وبذلك يكون موقفه من خلافاتهم كمن يقف في وسط الدائرة وعلى مسافة واحدة منهم بل أقربهم إلى الجميع من بعضهم بعضاً ومع ذلك هم له كاذبون وكارهون فهو هادي إلى التقوى والصراط المستقيم ويكون ذلك من أدلة صدق تكليفه وانه المهدي المسيح ( إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) (الزخرف 64) مخبراً الناس جميعاً أن الله هو ربه وليس عيسى ابنه أو إلهاً كما هو ربكم فاتجهوا بالعبادة مخلصين إليه هذا صراط مستقيم فاختلف المتحزبون من بينهم على التكذيب فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم (فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) (الزخرف 65 -66 ) فلما جاءهم المسيح شبيه عيسى اختلف الأحزاب على تكذيبه ؛ ألم يحين وقت التوبة ابتداء من ظلم النفس قبل الخسران وفوات الأوان بأنهم كذبوا على أنفسهم وينتظرون نزوله من السماء إلى حين يصبهم عذاب اليم أو تأتي الساعة بغتة وهم لا يشعرون وللخروج من اختلاف المتحزبين على تكذيبه نرى إرشاد القرآن إلى أفضل خيارات التأويل وأحسنها (هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) مع آية (من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وهم لا يشعرون) (الزمر 55) فأحسن الفهم هو ما كان يحيي الدين ويوحد الملة الإسلامية (التوراة والإنجيل) على قاعدة التصديق والهيمنة القرآنية ، ومقتدٍ بالرسول ص الخاتمي وجاعل القران إماماً تحت راية إمام الزمان المهدي المسيح ونتابع السورة (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) (الزخرف 78) أي يوجب عليكم إتباعه وقد وعد الله تعالى ليظهره على الدين كله ويحقق مقاصد الدين في الأرض وعلى كراهية من الكافرين والمشركين وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون فطوبى لمن يؤمن بالمهدي قبل أن تأتي بعض آيات ربك قبل يوم القيامة (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون) (الأنعام 158) من ذلك ظهور آية صدق المهدي المسيح وأمه في آخر الزمان (وجعلناها وابنها آية للعالمين) (الأنبياء 91 ) يوم ينكشف دجل الدجال للبشرية وتنشد الحقيقة كما تنشد بلاد العرب اليوم الحرية يومها يدخل الناس في دين الله أفواجا فكل من لم يؤمن بالمهدي سابقاً ليس له اجر بعد الآية لأن الإيمان بما قبلها أما بعدها فهو شهادة .وقوله تعالى (رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا واعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور) (11 الطلاق ) هنا الرسول ليس محمد ص والأمر الغريب فيها الإخراج للذين آمنوا وليس للذين ظلوا ؟ ولكن الآية تدل على دور المهدي المسيح في تلاوة آيات مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات وليس الذين ظلموا من الظلمات إلى النور حتى تقوموا الدين على العالمين وإلا انتم لستم على شيء (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما نزل إليكم من ربكم ) الخطاب إلى أهل الإيمان بالقران مصدقاً لما قبله وأنهم ليسوا على شيء حتى يسمحوا لغيرهم بإقامة أديانهم بلا إكراه تحت راية (الخلافة المدنية) تعترف بجميع أطياف المجتمع وتحمي حقوق الضعيف قبل القوي والمخالف قبل الموافق بحيث تضم جميع أطراف المجتمع، كما أراد تعالى في خطابهً لهم أن الدين عند الله واحد هو الإسلام بمكوناته التوراة والإنجيل من كتب الملل الإسلامية وهي من مشكاة واحدة والأنبياء أخوة ، فنحن لسنا على شيء حتى نقيم في الأرض التوراة والإنجيل وما نزل إلينا على قاعدة التصديق والهيمنة القرآنية توحيد قائم على وحدة تعددية ، لان كل ما في الكون لا يقوم إلا على الزوجية التعددية إلا الله تعالى فرد أحد صمد ليس كمثله شيء، وهكذا يجب أن تقوم مجتمعاتنا على التعددية (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا *والذي أوحينا إليك * (أي القرآن) وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى *أن قيموا الدين ولا تتفرقوا فيه *كبر على المشركين ما تدعونهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) إذن حتى نكون مقيمين دين الله بالمعنى الشامل لا بد من السماح بل حماية الآخرين بإقامة أديانهم والحذر من جعلها مسالة خلاف بيننا بل وحدة تحت شعار* ( إني جاعل في الأرض خليفة) [الخلافة المدنية]* لتحقيق المجتمع السلمي القائم على التعددية والتداول والمساواة وتكافؤ الفرص والتكامل بين الرجل والمرأة بالعدل وتنمية ثقافة السلام في كل مكونات المجتمع الذي أسلم لله عز وجل (ومن أحسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا) (125النساء) ... وقوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا (55) النور) .. | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 5:03 am | |
| مسألة المسيحانيّة في الإسلام المبكّرتعريب وتقديم: محمّد الحاج سالم سبق للمستشرقين باتريشيا كرونه (Patricia Crone) ومايكل كوك (Michael Cook) أن طرحا في كتابهما الشّهير "الهاجريّة (Hagarism" )فكرة مفادها تولّي النّبيّ محمّد وصحابته الأوائل التّبشير بقدوم وشيك لمسيح حاولا البرهنة على أنّه الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب. وقد استند كوك وكرونه في فرضيّتهما تلك على شهادات نصوص يهوديّة ومسيحيّة معاصرة تقريبا لفترة ولادة الإسلام، واستندا على حقيقة اشتهار عمر في التّقليد الإسلاميّ بلقب "الفاروق"، وهو لفظ سريانيّ بمعنى "المخلّص". وقد ولّدت هذه الفرضيّة عدّة ردود فعل شرقا وغربا ضمن دراسات نقديّة عامّة تناولت أفكار المدرسة الأنكلوسكسونيّة في الاستشراق، على غرار ما فعلته الأستاذة آمنة الجبلاوي مثلا في كتابها القيّم "الاستشراق الأنكلوسكسوني الجديد: مقالة في الإسلام المبكّر، باتريسيا كرون ومايكل كوك أنموذجا" (دار المعرفة للنّشر، تونس، 2006). إلاّ أنّ قضيّة تضمّن الإسلام المبكّر في أصله عنصرا مسيحانيّا، لم يتمّ إفرادها ببحث مستقلّ على حدّ علمنا إلاّ من قبل المستشرق فرد دونّر (Fred McGraw Donner) أستاذ التّاريخ الإسلاميّ بجامعة شيكاغو الأمريكيّة، وذلك من خلال مقال ساهم به ضمن الملفّ الموضوعي الذي نشرته "مجلّة العوالم الإسلاميّة والمتوسطيّة" (Revue des Mondes Musulmans et de la Méditerranée) في عددها المزدوج رقم 91-94 لسنة 2000 بعنوان "الحركات المهدويّة والألفيّة في الإسلام" (صص 17-28). ولأهميّة ما يطرحه مقال دونّر من أفكار يحاول من خلالها دحض فرضيّة كرونه وكوك التي تكتسب أنصارا يوما بعد يوم في صفوف الدّارسين العرب، ارتأى كاتب هذه السّطور تعريبه وتقديمه إلى القارئ العربيّ، خاصّة وأنّ دونّر لا يكتفي بإعادة تفحّص المصادر المعتمدة من قبل كرونه وكوك، بل هو يعود أيضا لاستقراء بعض الإشارات القرآنيّة ذات الصّلة بالقضيّة، وذلك بهدف إثبات غياب أيّ إشارة إلى وجود توجّه مسيحانيّ في صفوف المسلمين الأوائل. فدونّر يرى أنّه رغم الأهميّة الكبرى التي قد تكون اكتستها فكرة المخلّص في المجتمع الإسلاميّ بعد القرن الأوّل الهجريّ، فإنّه ما من سبب للاعتقاد بوجود تلك الفكرة في صفوف المؤمنين على عهد النبيّ. وبالمقابل، فهو يؤيّد الفكرة التي تشير إلى أنّ أصل تلقيب الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب بلقب "الفاروق" يجب أن يفهم على أنّه محاولة من جانب المسلمين الأتقياء في القرن الثّاني وما بعده لطمس بعض ملامح تلك المرحلة المبكّرة من حياة الأمّة الإسلاميّة، أي تلك المرحلة التي كانت فيها الأمّة أكثر انفتاحا على الموحّدين الآخرين، خاصّة منهم اليهود والمسيحيّون. **** طوّر الإسلام، خلال أربعة عشر قرنا من وجوده، تقليدا مسيحانيّا شديد القوّة سوف تعكس السّطور التّالية ثراء مظاهره وتنوّعها. ومن بين تلك المظاهر: استخدام بعض المفاهيم على غرار مفهوم "المهديّ" (المخلّص الآخرويّ) و"الدجّال" (المسيح الدجّال أو العدوّ الآخرويّ)، أو مفهوم "الملاحم والفتن" (الاضطرابات الطبيعيّة، والاجتماعيّة السياسيّة المؤذنة بيوم القيامة). كما نعرف أيضا أنّ ظهور بعض تلك المفاهيم يعود إلى وقت مبكّر من حياة الأمّة الإسلاميّة، وذلك قبل أن تترسّخ مع بداية القرن الهجري الثّاني على أبعد تقدير، فكرة قدوم المهديّ أو القائد الدّينيّ للأمّة الإسلاميّة الذي سيقيم العدل قبيل قيام السّاعة – سواء كان عمر بن عبد العزيز، أو عيسى أو شخصا آخر (W. Madelung, s. d., pp. 1231-1232). ولكن هل كانت فكرة المسيحانيّة موجودة في الإسلام منذ نشأته؟ لقد طرحت باتريشيا كرونه بالفعل بمعيّة مايكل كوك في كتابهما الذي أثار اللّغط وهو بعنوان "الهاجريّة" (, pp. 3-61977Hagarism, ) فرضيّة مفادها وجود عنصر مسيحانيّ في الإسلام المبكّر، أي في التّبشير الدّينيّ للنّبيّ محمّد نفسه وفي معتقدات أصحابه. ويزعم هذان الكاتبان أنّ النّبيّ قد بشّر بمسيح منتظر، مستندين في المقام الأوّل على ما ورد في نصّ مسيحيّ حجاجيّ يعود لسنة 634 ميلاديّة هو "عقيدة يعقوب المعمّد حديثا" (la Doctrina Jacobi nuper baptizati). ويورد هذا النصّ، وهو من شمال إفريقيا – أو هو يستشهد برسالة يفترض أنّها وردت مؤخّرا "من الشّرق" وتصف "ظهور نبيّ، قادم مع السّرسنيّين... يبشّر بمجيء المسيح الممسوح"(V. Déroche, 1991, Par. V. 16, p. 208; R. Hoyland, 1997, p. 57)، وهو ما يعني، على حدّ قول كرونه وكوك، أنّ «السّرسنيّين» [العرب- م] ونبيّهم كانوا متبنّين لفكرة المسيح المنتظر. ويعتقد هذان المستشرقان أنّهما عثرا على ما يؤيّد هذه الفرضيّة من خلال نصّ عبريّ رؤيويّ ربّما كان من القرن الثّامن الميلادي يدعى "أسرار الحاخام شمعون بن يوحاي"، وهو يصف بعبارات مسيحانيّة مجيء العرب وإقامة مملكة إسماعيل (R. Hoyland, 1997, pp. 308-312; B. Lewis, 1949-1951, pp. 312-330). كما يجد مؤلّفا كتاب "الهاجريّة" تأكيدا إضافيّا لما يطرحانه في لقب "الفاروق" المسند للخليفة عمر بن الخطّاب، وهو لقب معروف في التّقليد الإسلاميّ نفسه ومشتقّ من الكلمة السّريانيّة "فاروقا" بمعنى "الفادي" أو المخلّص الآخرويّ. ويخلص المؤلّفان (Crone & Cook, 1977, p.4) إلى أنّ جوهر الدّعوة النّبويّة كان بالتّالي ضربا من "المسيحانيّة اليهوديّة" (1). ومع ذلك، فإنّ نظريّة كرونه وكوك الزّاعمة تضمّن المعتقدات المبكّرة لمحمّد وأنصاره الأوائل انتظار مجيء مسيح، تثير مشاكل في التّأويل. وسأقدّم في ما يلي بعض الاعتراضات على نظريّة المسيحانيّة الإسلاميّة المبكرّة هذه، محاولا إثبات أنّ الحجج التي استخدمت لدعم "النّظريّة المسيحانيّة" يمكن استخدامها كذلك، جزئيّا على الأقلّ، في إثبات العكس. ويجب أن نبدأ مع القرآن الذي يمكننا اعتباره أفضل دليل متاح إلى حدّ الآن للتّعبير عن الأفكار التي جرى تداولها في صفوف جماعة المؤمنين الأولى، وهو النصّ الذي جاء من غرب الجزيرة العربيّة ليغدو نصّا مجمعا عليه تقريبا قبيل الحرب الأهليّة الأولى (وهو ليس نتاج فترة متأخّرة كما ردّدت بعض الكتب الصّادرة مؤخّرا) (2). وينبغي في المقام الأوّل الإشارة إلى أنّ النصّ القرآني لا يقدّم أيّ دعم للأفكار المسيحانيّة التي قد تكون انتشرت بين أوائل المؤمنين، فضلا عن غيرها من المفاهيم الآخرويّة على غرار "يوم القيامة" مثلا. فلا وجود في القرآن للفظ "المهديّ" أو لفظ «الدجّال»، ولكنّ الأولى مشتقّة من الجذر (هـ د ي) حيث يعني الفعل (هَدَى): قاد وأرشد ويعني المصدر (هُدَى): قيادة، إرشاد، وهما مصطلحان طالما تكرّرا في القرآن. وإذا ما قبلنا بأنّ هذه المصطلحات القرآنيّة تجد مرجعيّتها في قيادة موجّهة من قبل العناية الإلهيّة، فهي مع ذلك لا تبدو متضمّنة لأيّ مغزى أخرويّ. وبالمثل، فإنّ أوّل استخدام لكلمة "المهديّ" في القصائد الشّعريّة وفي بقيّة النّصوص العربيّة الإسلاميّة الأخرى الرّاجعة للقرن الأوّل الهجريّ لا يبدو متضمّنا لأيّ معنى مسيحانيّ، وذلك على الأقلّ إلى حين اندلاع الحرب الأهليّة الثّانية؛ بل هو يتضمّن بالأحرى، تلميحات إلى معنى الفرد الذي يسلك سلوكا قويما(3). ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ في هذا السّياق وجود نصّ سريانيّ مكتوب زمن الحرب الأهليّة الثّانية - وهو ما يقدّم لنا ربّما أوّل وصف تفصيليّ لأصول الإسلام – يصف محمّدا بأنّه (tar’â û mhaddyânâ) أي "معلّم وقائد" للـ"مهاجراي" mhaggrâyê (ما يعادل في العربيّة: المهاجرون، أي المؤمنين الذين هاجروا من مكّة إلى المدينة) (4). وبهذا، فهو يصف النّبي باللّفظ السّريانيّ mhaddyânâ القريب من اللّفظ العربيّ "المهديّ" وغيرها من الكلمات المشتقّة من الجذر (هـ د ي) بمعنى "الموجّه" أو "القائد". ومهما كان الأمر، فما من سبب يدعو للقول بتضمّن الألفاظ القرآنيّة المشتقّة من هذا الجذر لمعنى مسيحانيّ. وعلاوة على ذلك، فإنّ الآخرويّات القرآنيّة لا تتضمّن وصفا معقّدا ليوم الحساب (كما في رؤيا نهاية العالم، على سبيل المثال): فيوم الحساب القرآنيّ يبدو أنّه يأتي بغتة، دون إعداد مسبق ودون وجود أيّ شخصيّة مسيحانيّة. أضف إلى ذلك أنّ القرآن لم يذكر البتّة عودة مخلّص إلى هذا العالم، كما يجهل أيضا مفهوم المملكة القادمة، أو العهد الآتي المملوء سلاما وعدلا، ذاك الذي يسبق الدّينونة، أي السّياق المعتاد للأفكار الألفيّة (م: الأفكار الني تؤمن بدوام مملكة المسيح ألف عام قبل يوم القيامة). وإذا ما كان في القرآن ذكر لشخص أرسله الله، فإنّه سيكون محمّدا، أي شخصا موجودا بالفعل. وبالتّالي، فإنّ مجيئه متحقّق بالفعل وليس منتظرا، وهذا ما تصدقه الآية التّاسعة من سورة الصفّ:هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(5). ويحتمل أن يكون المقصود بكلمة "دين" هنا معنى "الشّريعة" (loi ) لا المعنى السّائد لهذه الكلمة (religion). ولا يبدو أنّ مثل هذه المقاطع تترك أيّ مجال لبروز وجه مسيحانيّ منتظر في الإطار المفاهيميّ للقرآن؛ فالحقيقة والخلاص متعيّنان في الواقع. ولعلّ الصدّى الوحيد للأفكار المسيحانيّة الموجودة في القرآن (وواضح في هذه الحالة أنّها مستوحاة من التّقليد المسيحيّ) هي لفظ "المسيح"، المستخدم في الإشارة إلى عيسى، والمشتقّ من اللّفظ السّريانيّ "مشيحا" mshîhâ (A. Jeffery, 1938, pp. 265-266). ويستخدم القرآن كلمة المسيح إحدى عشرة مرّة ضمن تسع آيات؛ خمس مرّات منها في عبارة "المسيح بن مريم" التي يبدو أنّ المقصود بها اسم علم، وليس نعتا. كما ترد ثلاث مرّات في عبارة "المسيح عيسى بن مريم"، ويكتفى ثلاث مرّات أخرى بكلمة "المسيح" فحسب. إلاّ أنّ المسيح القرآنيّ، على الرّغم من أصله الاشتقاقيّ، لا يبدو حاملا لمعنى "المخلّص" Messie (J. S. Trimingham, 1979, p. 267). فنحن نقرأ في الآية 171 من سورة النّساء مثلا: إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ.... وإذا ما كان القرآن يصف المسيح عيسى بن مريم بعدّة أوصاف، فهو لا يشير بالمقابل إلى أيّ دور مسيحانيّ أو آخرويّ له. كما أنّ القرآن يقدّم المسيح أيضا في سور آل عمران (3:45) والمائدة (5:75) والنّساء (4:172) بوصفه "الكلمة" (كلمة الله)، أو بوصفه "رسولا" فحسب، أي من حيث هو شخص لا يستنكف أن يكون عبدا لله، لكنّه لا يذكر مطلقا دوره الخلاصيّ. بل إنّ كلمة "المسيح" ربّما وجدت في مقاطع أخرى من القرآن في سياق معبّر عن الاستهجان. ففي سورة التّوبة (9:31) انتقاد للأحبار والرّهبان (أي أحبار اليهود والمسيحيّين ورهبانهم) لاتّخاذهم المسيح "ربّا" من دون الله. وتسم سورة المائدة (5 : 17) وسورة التّوبة (9 : 30) المسيحيّين بالكفر لقولهم بأنّ المسيح هو الله. فالقيمة السّلبيّة المسندة لمصطلح "المسيح" في هذه الآيات أمر يتناقض مع أيّ مفهوم آخرويّ للمسيح المنتظر أو المخلّص. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ المسيح يبدو من خلال عدّة مقاطع قرآنيّة شخصيّة تاريخيّة. ولا تحيل تلك الآيات البتّة على المستقبل، أي إلى ما يتوقّع وجوده إذا ما كان القرآن يتصوّر المسيح بوصفه "المخلّص": إنّها لا تعرض بالفعل على المؤمنين سوى درس مقتبس من مثال نبيّ غابر. فدور عيسى، على الرغم من تلقيبه بالمسيح، لا يبدو مختلفا عن دور غيره من الأنبياء في القرآن. ويبيّن لنا القرآن في سورة المائدة (5 : 72) (الإشارة الثّانية إلى المسيح) كيف كان المسيح يدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله، فيما تشير سورة النّساء (4:157) إلى اعتقاد (خاطئ) عند أولئك الذين قتلوا عيسى بأنّهم قضوا بذلك على "مسيح" المسلمين. وهذا ما نجده أيضا في سورتي آل عمران (3:45) والمائدة (5:75) سابقتي الذّكر: فجميع هذه الآيات تتناول أحداث الماضي وتبقى صامتة - وهذا هو الأهمّ- بشأن الآتي، ولا تعطي أيّ إشارة إلى وجود دور مستقبليّ لعيسى بوصفه "المخلّص". لذا، يجب علينا الاعتراف بأن تكرّر لفظ المسيح في القرآن لا يدلّ على تصوّر مسيحانيّ (6). ولعلّ ما يسند هذا الطّرح القائل بغياب تصوّر مسيحانيّ في القرآن، هو الغياب الكامل لأيّ ألفاظ أخرى محيلة على أفكار مسيحانيّة أو مشيرة إلى شخصيّة مسيحانيّة. ومن هنا، يبدو من الخطورة بمكان القول بوجود مسيحانيّة إسلاميّة أصليّة كما فعل كرون وكوك. إنّ هذين الكاتبين لا يريان أنّ غياب عناصر مسيحانيّة في النّصوص الأولى للتّراث الإسلاميّ (بما في ذلك القرآن، على ما نفترض) يعيق أطروحتهما. إنّهما يبرّران هذا الغياب بحدوث محو لاحق. وهما يقتصران في دعم الفرضيّة القائلة بأنّ الاتّجاهات المسيحانيّة كانت موجودة في الإسلام المبكّر على شهادة نصوص قديمة من أصل مسيحيّ أو يهوديّ، إضافة إلى الأثر الباقي الذي وصلنا - لحسن الحظّ - حول تلقيب الخليفة عمر بن الخطّاب بالفاروق. إلاّ أنّ افتراض وجود محو متعمّد، غير مقنع. فإذا ما كان عمر في اعتقاد أوائل المؤمنين هو المسيح، أي مخلّص أمّته، فلم اختاروا لاحقا محو هذه العقيدة؟ ذلك أنّ المحو إنّما يحدث عموما بهدف القضاء على ذكرى نبوءة لم تتحقّق في التّاريخ، أو مطلب لاهوتيّ أو سياسيّ كان من شأنه أن يبدو على مرّ الزمن عبثيّا. وبعبارة أخرى، فإنّ المحو يقصد به مداورة ارتباك ما؛ والحال أنّ قصّة الخليفة عمر لم تكن تمثّل أيّ ارتباك للمؤمنين. بل إنّ العكس هو الصّحيح: فعهد عمر يعتبر ذروة العصر الذهبيّ للأمّة المسلمة الفتيّة، في زمن كان فيه المؤمنون يعملون معا من أجل إقامة نظام جديد على هدي القرآن والسنّة النّبويّة. بل إنّ الخليفة عمر نفسه هو من يعتبر المؤسّس الحقيقيّ للإمبراطوريّة الإسلاميّة ومبدع العديد من المؤسّسات النّموذجيّة، بما في ذلك "الدّيوان" (العطاء المنتظم للجنود) و"الأمصار" (مراكز الاستعمار العسكريّ والإداريّ في البلدان المهزومة)؛ بل إنّ فترة حكمه هي التي شهدت أبرز انتصارات جيوش المسلمين ضدّ أعتى قوّتين في الأرض، البيزنطيّين والفرس، وفيه مدّت الإمبراطوريّة الفتيّة حدودها بطريقة مدهشة لتشمل أراضي شاسعة جديدة: سوريا، العراق، مصر، وجزء كبير من إيران، والحدود الجنوبيّة لأرمينيا والأناضول. وإنّه ليمكن للمرء أن يرى في كلّ هذه الوقائع أمورا من شأنها إضفاء المصداقيّة على فكرة أنّ عمر هو المسيح، ذلك أنّ دور المسيح، في التّقاليد اليهوديّة والمسيحيّة على الأقلّ، إنّما هو تحقيق العدل ونشر التّقوى تمهيدا ليوم الحساب. ولهذا السّبب، فإنّه من الصّعب القبول بالزّعم القائل بأنّ المؤمنين المزامنين لعمر أو اللاّحقين عليه قد رغبوا في محو مثل هذه المطلب المسيحانيّ. وعلاوة على ذلك، وعلى فرض حدوث مثل هذا المحو، فإنّه لا مندوحة من تحديد زمنه. فإذا ما كان المحو قد تمّ في وقت متأخرّ نسبيّا – أو بعبارة أخرى، إذا كان تمثّل عمر بوصفه شخصيّة مسيحانيّة قد تواصل لفترة طويلة نسبيّا في صفوف جماعة المؤمنين-، فإنّ تبلور الفكر التّاريخي والرّوايات التّاريخية الأولى بين المسلمين، والذي تشكّل خلال الثّلث الأخير من القرن الإسلاميّ الأوّل على أقصى تقدير (F. Donner, 1998) من شأنه ضمان بقاء أصداء كافية لهذه الفكرة في كثير من المأثورات، وهو ما لا نجد له أيّ أثر. وفي هذه الحالة، يحقّ لنا أن نتوقّع أن يكون محو المقاطع المسيحانيّة من القرآن سببا قويّا لبروز اختلاف بين المؤمنين، وهو ما لا نجد له أيّ أثر أيضا. أمّا الفرضيّة الأخرى، فمفادها أنّ إزالة الأفكار المسيحانيّة تمّ باكرا في حياة جماعة المؤمنين، وقبل وقت طويل من تبلور التّقليد التّأريخي. وفي هذه الحالة، يصعب تصوّر الغرض من هذا المحو في وقت شهد ازدهار الجماعة المسلمة ونجاحها العالميّ الصّاعق والمثير للإعجاب. ولقد تمّ تحليل المأثورات الإسلاميّة التي تسند لقب الفاروق إلى عمر بن الخطّاب بعناية من قبل سليمان بشير (1990Bashear,)، وبرهن على أنّ أقدم النّصوص التي جاء فيها نعت عمر بالفاروق تعود إلى أهل الكتاب، خاصّة يهود القدس. ولفهم هذه المرويّات، ينبغي النّظر إليها في سياق تاريخ اليهود في فلسطين في ظلّ الامبراطوريّة البيزنطيّة الرّومانيّة. ونحن نعرف أنّ الإمبراطور هادريان (Hadrien) قد قام - إثر تمرّد "بَرْ كُخْبا" (Bar Kokhba) على رومة (132-135 م) (هو «شمعون بَرْ كُخْبا» وينطق غالبا «بَرْ كُشْبا» أو «بَرْ كُشْوا» وهو قائد آخر تمرّد يهودي على الرّومان، وكلمة «بَرْ» آراميّة وتعني «ابن»- م)- بطرد اليهود من القدس وضواحيها، وأنّه تمّ منذ ذلك الوقت حظر دخول اليهود إلى القدس من قبل السّلطات الرّومانيّة البيزنطيّة (M. Avi-Yonah, 1976, p. 13؛ وانظر أيضا الخريطة الموجودة في: J. Prawer, 1996, p. 328). ولم تكن السّياسة البيزنطيّة دائما معادية لليهود، إلاّ أنّ التمرّد السّامرائي اليهوديّ في قيساريّة سنة 547 م وما جوبه به من قمع سيكون فاتحة عهد عصيب لليهود في فلسطين من قبل السّلطات المسيحيّة (A. Sharf, 1995, p. 98) وخاصّة قرارها استخدام مدارج المعبد في القدس مصبّا للقمامة. ولم يكن ذلك مجرّد عمل مقصود معبّر عن احتقار اليهوديّة فحسب، بل تأكيدا كذلك للعقيدة المسيحيّة التي ترى في تدمير الهيكل انتقالا للنّعمة الإلهيّة من اليهود إلى المسيحيّين. وأثناء الاستيلاء على المدينة من قبل الفرس عام 614 م، قام اليهود على ما يبدو بمساعدة الفاتحين الفرس مقابل السّماح لهم بدخول المدينة، بل وإدارة الأعمال التّجاريّة فيها لفترة وجيزة؛ ولكن يجب أن نتذكّر أنّ مصادرنا بخصوص هذه الأحداث، وهي في معظمها نصوص مسيحيّة (سيبيوس Sebeos، القائد أنطيخوس Antiochus Strategos، صفرنيوس Sophronius)، شديدة العداء لليهود، وبالتالي قد تكون مبالغة في الإشارة إلى تعاونهم مع الفرس ومضخّمة لدورهم في الأحداث الدّامية التي رافقت ذاك الاحتلال. وبعد استعادة بيزنطة للقدس سنة 630 م على يد هرقل (Héraclius)، تمكّنت السّلطات المسيحيّة في القدس من إقناع الامبراطور، رغم تعاطفه مع اليهود، بإصدار مرسوم يعلن إبعاد اليهود مرّة أخرى عن المدينة وعدم السّماح لهم بالاقتراب منها لأكثر من ثلاثة أميال. وهكذا دشّن هذا الامبراطور سياسة ستطبّق لاحقا بشكل متقطّع تقضي بتعميد اليهود تحت الإكراه (وهي السّياسة التي يشير إليها السّياق التّاريخي لعقيدة يعقوب) (7). وبعد هذه التّجارب المحزنة مع السّلطات البيزنطيّة، فإنّه ليس من المستغرب أن يقوم اليهود بتلقيب عمر بلقب "الفاروق" أي "المخلّص" بعد أن سمح لهم بالإقامة في القدس من جديد وإقامة عباداتهم في البقعة المقدّسة (M. Gil, 1996, pp. 167-169)، أو على حدّ تعبير بشير سليمان ((Bashear, 1990, p.69: "لقد نظر اليهود إلى عمر بوصفه الفاروق على إثر تحرير القدس من نير البيزنطيّين وإقامة الصّلاة مجدّدا في موقع الهيكل". إلاّ أنّ هذا لا يشهد بأنّ اليهود نظروا إلى عمر على أنّه المسيح، خاصّة في ظلّ غياب أيّ دليل يبيّن أنّهم كانوا يعتبرونه منحدرا من سلالة داوديّة. وربّما كان هذا اللّقب من باب المجاز للدّلالة على استبشار اليهود بفكرة التمكّن من العودة إلى المدينة، وهذا كاف لتبرير الحافز الذي دفعهم إلى وسمه بهذا النّعت. ومن هنا، فمن المبرّر تماما اعتبار لقب عمر "الفاروق"، غير كاف لإثبات وجود تصوّر مسيحانيّ بين أوائل المؤمنين. أمّا بخصوص النّصوص اليهوديّة والمسيحيّة التي يستخدمها كرون وكوك لدعم فرضيّتهما، فعلينا أن نذكّر بأنّها تصف أوّل ظهور للإسلام بألفاظ قياميّة وأحيانا مسيحانيّة، وذلك ربّما بسبب انتشار هذه التصوّرات على نطاق واسع بين المسيحيّين واليهود في تلك الفترة (F. Donner, 1991, pp. 43-46). فبالنّسبة للمسيحيّين، فإنّ الأحداث الكارثيّة التي عاشوها، ولا سيّما هزيمة جيوش الإمبراطور واختفاء الحكم البيزنطيّ، أضفت جاذبيّة كبيرة على تأويل النّظام الجديد بوصفه محنة قياميّة ستكون نتيجتها (وهذا هو المؤمّل) انبعاثا مسيحيّا ممهّدا ليوم الحساب. ومثل هذا التّفسير، هو ما سنجده لاحقا في عدّة نصوص على غرار سفر ميثوديوس القياميّ المنحول (. أمّا بالنّسبة لليهود، فإنّ الإهانة التي لحقت القوى المسيحيّة – أو هزيمة "أدوم" كما تطلق النّصوص القياميّة اليهوديّة على البيزنطيّين – وكذلك عودتهم هم إلى القدس في ظلّ الخلفاء الأوائل، قد أيقظت الأمل في اقتراب عودتهم الأخيرة إلى الأراضي المقدّسة تحت قيادة المسيح الحقيقي (B. Lewis, 1949-1951 ; 1974 ; R. Hoyland, 1997 , pp. 308-312). وفي الواقع، فقد سبق لعدّة كتّاب يهود تصوير احتلال الفرس للقدس من خلال مشاهد قياميّة (B. Wheeler, 1991,p. 75, p. 84). وعلاوة على ذلك، فإنّ مجرّد تصوير نصّ مثل "أسرار الحاخام شمعون بن يوحاي" أوّل ظهور للمؤمنين بمنظور قياميّ، بل وبمصطلحات مسيحانيّة أحيانا، لا يمكن أن يقوم دليلا على تبنّي المؤمنين الأوائل أنفسهم فكرة آخرويّة مسيحانيّة. ومن المهمّ أيضا أن نذكّر بأنّ معظم هذه النّصوص اليهوديّة والمسيحيّة لا تشير في واقع الأمر إلى اعتقاد "السّرسنيّين" في مسيح منتظر؛ وهي تلجأ بدلا من ذلك إلى استعارات قياميّة ومسيحانيّة لتفسير مسألة ظهور المسلمين. ومع ذلك، فإنّ "عقيدة يعقوب"، وهو نصّ حجاجيّ موجّه ضدّ اليهود، يومئ إلى أنّ النّبيّ "كان يعلن مجيء المسيح الذي سيأتي". وبما أنّ معنى هذا المقطع لم يتوضّح تماما بعد، فإنّه لمن باب التسرّع الاعتقاد بأنّ هذه الجملة اليتيمة كافية لإثبات نظريّة المسيحانيّة الإسلاميّة الأولى التي لا يوجد لها أيّ أثر آخر، بما في ذلك داخل النصّ القرآني. ولنذكّر أيضا أنّ هذه العبارة في "عقيدة يعقوب" معزوّة إلى يهود "قيساريّة" ضمن رسالة يفترض أنّها تلقّيت من قبل شقيق الخصم اليهوديّ ليعقوب، أي أنّها رسالة تهدف بكلّ وضوح إلى دحض اليهود. فكيف ينبغي لنا إذن تقييمها؟ إنّ وضع أخطاء ومغالطات في فم العدوّ هو في الواقع تكتيك حجاجيّ معروف، ولذلك نتردّد في قبول هذا المقطع من النصّ باعتباره مجرّد وصف موضوعيّ لواقعة تاريخيّة. يمكننا أن نستنتج إذن أنّ التّقليد الإسلاميّ المتأخّر لم يكن في حاجة إلى محو الأفكار المسيحانيّة، وذلك بسبب عدم وجود قرينة قويّة تثبت أنّ تلك الأفكار كانت في وقت ما جزءا من اعتقادات النّبيّ أو اعتقادات أتباعه الأوائل. بيد أنّ هذا الاستنتاج يثير تساؤلات يجب علينا إيجاد أجوبة لها. لقد برهن سليمان بشير على أنّ التّقاليد التي تشير إلى عمر بن الخطّاب باعتباره "الفاروق" يعود معظمها على الأرجح إلى فترة متأخّرة نسبيا (ما بين القرنين الثّاني والرّابع للهجرة)، بما في ذلك تلك التي تضع منشأ ذلك اللّقب في سياق إسلام عمر أو في سياق نزول الآية 60 من سورة النّساء. ولكن إذا لم تكن المسيحانيّة جزءا من تبشير النّبيّ ولا هي من معتقدات أتباعه الأوائل، فما هو إذن أصل هذه التّقارير المتأخّرة وأساسها المنطقيّ ؟ وإذا ما كان لقب "الفاروق" أضفي في البداية كلقب فخريّ على عمر من قبل يهود القدس - وهو ما لا تحتفظ التّقاليد اليهوديّة نفسها بأيّ أثر بشأنه - فلم حظي هذا اللّقب بعناية كبيرة عند المسلمين ولم يحظ بمثل ذلك بين اليهود؟ يمكننا حلّ هذه المسائل إذا ما نحن سلّمنا بالطّابع غير المذهبيّ لحركة المؤمنين الأولى، أي إذا قبلنا إمكانيّة أن تكون جماعة المؤمنين غير شاملة أتباع محمّد والقرآن فحسب، وإنّما أيضا المسيحيّين واليهود المتديّنين (وهذا موضوع مقال لي سيصدر قريبا). فهذا التّسليم، من شأنه تفسير بقاء التّقارير الأولى التي تشير إلى لقب "الفاروق" حيّة إلى حدّ الآن، ذلك أنّ مصدرها هم اليهود الذين كانوا يعيشون مع المسلمين: لقد كان من جملة أوائل المؤمنين يهود (ومسيحيّون)، فضلا عن المسلمين. إنّ معاني لفظ "المؤمن" ولفظ "المسلم" لن يعاد تحديدها إلاّ في وقت لاحق، ربّما في أواخر القرن الأوّل الهجري، حين سيضحيان مترادفين بهدف إخفاء الطّابع التعدّدي لجماعة المؤمنين الأولى. ففي تلك اللّحظة، تمّ فصل المؤمنين المسلمين عن اليهود والمسيحيّين مرّة واحدة وإلى الأبد؛ وهو ما عنى أن يغدو المسلمون منذئذ طائفة توحيديّة متميّزة. إنّ التّقارير المتأخّرة التي تفسر منشأ لقب "الفاروق" في سياق تحوّل عمر إلى الإسلام أو سياق الوحي القرآني، تبدو محاولة لصرف أنظار المسلمين الآتين عن التّقارب السّابق بين أوائل المؤمنين اليهود (والمسيحيّين) والمسلمين. ولم يكن اكتشاف أصل أكثر "إسلاميّة" للفظ الفاروق، إلاّ بهدف زيادة المسافة الفاصلة بين اليهود وبقيّة المؤمنين في أذهان الأجيال المتعاقبة. هذا ما يبدو لي تفسيرا أكثر إقناعا للنّصوص الإسلاميّة وغير الإسلاميّة التي ينبغي علينا تأويلها، بدل افتراض وجود عقيدة مسيحانيّة في أصل الإسلام تمّ محوها لاحقا. | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 5:04 am | |
| من اراد وصله بحث على قوقل ويطلع له مواضيع عسل يكتب بقوقل
المخلّص الآخرويّ | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 5:06 am | |
| فالكل يرنو إلى المخلص، مع أن كل واحد منهم مخلص في موقعه إذا صلح وأصلح. | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 5:08 am | |
| ويقول بعضهم: "المخلص هو: الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عز وجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله". سئل التستري: "أي شيء أشد على النفس؟! قال: "الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب". ويقول سفيان الثوري: "ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي؛ إنها تتقلبُ عليّ". (6) ومدار الإخلاص في كتاب اللغة على الصفاء والتميز عن الأشواب التي تخالط الشيء يقال: هذا الشيء خالص لك: أي لا يشاركك فيه غيرك والخالص من الألوان عندهم ما صفا ونصع. ويقولون خالصة في العشرة: صافاه | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 5:12 am | |
| المخلص لا يبالي لو خرج له كل قدر في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عز وجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله (26) | |
|
| |
traveller عضو مميز
عدد المساهمات : 207 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 0 تاريخ التسجيل : 24/10/2014
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 6:14 am | |
| والله اطروحات عالميه من عالمي مثلك جزاك الله خير ، اطروحات في غاية العمق ، تحتاج جلسة ويستمخ الواحد معها بدل مواضيع المنتدى اللي اصبحت تصيبني بالغثيان الله لا يحرمنا وصالكم يابن العم دمتم سالمين | |
|
| |
traveller عضو مميز
عدد المساهمات : 207 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 0 تاريخ التسجيل : 24/10/2014
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 6:16 am | |
| ياليت ولد العم تكبر الخط شوي ، ترى النظر على القد | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 6:18 am | |
| قريت الموضوع ذا طيب عودة المهدي المسيح قراءة قرآنية في طور إقامة (التوراة والإنجيل) على قاعدة تصديق وهيمنة القرآن الي قبله | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 6:20 am | |
| ابشر كبرت الخط عشان عيونك
سبق للمستشرقين باتريشيا كرونه (Patricia Crone) ومايكل كوك (Michael Cook) أن طرحا في كتابهما الشّهير "الهاجريّة (Hagarism" )فكرة مفادها تولّي النّبيّ محمّد وصحابته الأوائل التّبشير بقدوم وشيك لمسيح حاولا البرهنة على أنّه الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب. وقد استند كوك وكرونه في فرضيّتهما تلك على شهادات نصوص يهوديّة ومسيحيّة معاصرة تقريبا لفترة ولادة الإسلام، واستندا على حقيقة اشتهار عمر في التّقليد الإسلاميّ بلقب "الفاروق"، وهو لفظ سريانيّ بمعنى "المخلّص". وقد ولّدت هذه الفرضيّة عدّة ردود فعل شرقا وغربا ضمن دراسات نقديّة عامّة تناولت أفكار المدرسة الأنكلوسكسونيّة في الاستشراق، على غرار ما فعلته الأستاذة آمنة الجبلاوي مثلا في كتابها القيّم "الاستشراق الأنكلوسكسوني الجديد: مقالة في الإسلام المبكّر، باتريسيا كرون ومايكل كوك أنموذجا" (دار المعرفة للنّشر، تونس، 2006). إلاّ أنّ قضيّة تضمّن الإسلام المبكّر في أصله عنصرا مسيحانيّا، لم يتمّ إفرادها ببحث مستقلّ على حدّ علمنا إلاّ من قبل المستشرق فرد دونّر (Fred McGraw Donner) أستاذ التّاريخ الإسلاميّ بجامعة شيكاغو الأمريكيّة، وذلك من خلال مقال ساهم به ضمن الملفّ الموضوعي الذي نشرته "مجلّة العوالم الإسلاميّة والمتوسطيّة" (Revue des Mondes Musulmans et de la Méditerranée) في عددها المزدوج رقم 91-94 لسنة 2000 بعنوان "الحركات المهدويّة والألفيّة في الإسلام" (صص 17-28). ولأهميّة ما يطرحه مقال دونّر من أفكار يحاول من خلالها دحض فرضيّة كرونه وكوك التي تكتسب أنصارا يوما بعد يوم في صفوف الدّارسين العرب، ارتأى كاتب هذه السّطور تعريبه وتقديمه إلى القارئ العربيّ، خاصّة وأنّ دونّر لا يكتفي بإعادة تفحّص المصادر المعتمدة من قبل كرونه وكوك، بل هو يعود أيضا لاستقراء بعض الإشارات القرآنيّة ذات الصّلة بالقضيّة، وذلك بهدف إثبات غياب أيّ إشارة إلى وجود توجّه مسيحانيّ في صفوف المسلمين الأوائل. فدونّر يرى أنّه رغم الأهميّة الكبرى التي قد تكون اكتستها فكرة المخلّص في المجتمع الإسلاميّ بعد القرن الأوّل الهجريّ، فإنّه ما من سبب للاعتقاد بوجود تلك الفكرة في صفوف المؤمنين على عهد النبيّ. وبالمقابل، فهو يؤيّد الفكرة التي تشير إلى أنّ أصل تلقيب الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب بلقب "الفاروق" يجب أن يفهم على أنّه محاولة من جانب المسلمين الأتقياء في القرن الثّاني وما بعده لطمس بعض ملامح تلك المرحلة المبكّرة من حياة الأمّة الإسلاميّة، أي تلك المرحلة التي كانت فيها الأمّة أكثر انفتاحا على الموحّدين الآخرين، خاصّة منهم اليهود والمسيحيّون. **** طوّر الإسلام، خلال أربعة عشر قرنا من وجوده، تقليدا مسيحانيّا شديد القوّة سوف تعكس السّطور التّالية ثراء مظاهره وتنوّعها. ومن بين تلك المظاهر: استخدام بعض المفاهيم على غرار مفهوم "المهديّ" (المخلّص الآخرويّ) و"الدجّال" (المسيح الدجّال أو العدوّ الآخرويّ)، أو مفهوم "الملاحم والفتن" (الاضطرابات الطبيعيّة، والاجتماعيّة السياسيّة المؤذنة بيوم القيامة). كما نعرف أيضا أنّ ظهور بعض تلك المفاهيم يعود إلى وقت مبكّر من حياة الأمّة الإسلاميّة، وذلك قبل أن تترسّخ مع بداية القرن الهجري الثّاني على أبعد تقدير، فكرة قدوم المهديّ أو القائد الدّينيّ للأمّة الإسلاميّة الذي سيقيم العدل قبيل قيام السّاعة – سواء كان عمر بن عبد العزيز، أو عيسى أو شخصا آخر (W. Madelung, s. d., pp. 1231-1232). ولكن هل كانت فكرة المسيحانيّة موجودة في الإسلام منذ نشأته؟ لقد طرحت باتريشيا كرونه بالفعل بمعيّة مايكل كوك في كتابهما الذي أثار اللّغط وهو بعنوان "الهاجريّة" (, pp. 3-61977Hagarism, ) فرضيّة مفادها وجود عنصر مسيحانيّ في الإسلام المبكّر، أي في التّبشير الدّينيّ للنّبيّ محمّد نفسه وفي معتقدات أصحابه. ويزعم هذان الكاتبان أنّ النّبيّ قد بشّر بمسيح منتظر، مستندين في المقام الأوّل على ما ورد في نصّ مسيحيّ حجاجيّ يعود لسنة 634 ميلاديّة هو "عقيدة يعقوب المعمّد حديثا" (la Doctrina Jacobi nuper baptizati). ويورد هذا النصّ، وهو من شمال إفريقيا – أو هو يستشهد برسالة يفترض أنّها وردت مؤخّرا "من الشّرق" وتصف "ظهور نبيّ، قادم مع السّرسنيّين... يبشّر بمجيء المسيح الممسوح"(V. Déroche, 1991, Par. V. 16, p. 208; R. Hoyland, 1997, p. 57)، وهو ما يعني، على حدّ قول كرونه وكوك، أنّ «السّرسنيّين» [العرب- م] ونبيّهم كانوا متبنّين لفكرة المسيح المنتظر. ويعتقد هذان المستشرقان أنّهما عثرا على ما يؤيّد هذه الفرضيّة من خلال نصّ عبريّ رؤيويّ ربّما كان من القرن الثّامن الميلادي يدعى "أسرار الحاخام شمعون بن يوحاي"، وهو يصف بعبارات مسيحانيّة مجيء العرب وإقامة مملكة إسماعيل (R. Hoyland, 1997, pp. 308-312; B. Lewis, 1949-1951, pp. 312-330). كما يجد مؤلّفا كتاب "الهاجريّة" تأكيدا إضافيّا لما يطرحانه في لقب "الفاروق" المسند للخليفة عمر بن الخطّاب، وهو لقب معروف في التّقليد الإسلاميّ نفسه ومشتقّ من الكلمة السّريانيّة "فاروقا" بمعنى "الفادي" أو المخلّص الآخرويّ. ويخلص المؤلّفان (Crone & Cook, 1977, p.4) إلى أنّ جوهر الدّعوة النّبويّة كان بالتّالي ضربا من "المسيحانيّة اليهوديّة" (1). ومع ذلك، فإنّ نظريّة كرونه وكوك الزّاعمة تضمّن المعتقدات المبكّرة لمحمّد وأنصاره الأوائل انتظار مجيء مسيح، تثير مشاكل في التّأويل. وسأقدّم في ما يلي بعض الاعتراضات على نظريّة المسيحانيّة الإسلاميّة المبكرّة هذه، محاولا إثبات أنّ الحجج التي استخدمت لدعم "النّظريّة المسيحانيّة" يمكن استخدامها كذلك، جزئيّا على الأقلّ، في إثبات العكس. ويجب أن نبدأ مع القرآن الذي يمكننا اعتباره أفضل دليل متاح إلى حدّ الآن للتّعبير عن الأفكار التي جرى تداولها في صفوف جماعة المؤمنين الأولى، وهو النصّ الذي جاء من غرب الجزيرة العربيّة ليغدو نصّا مجمعا عليه تقريبا قبيل الحرب الأهليّة الأولى (وهو ليس نتاج فترة متأخّرة كما ردّدت بعض الكتب الصّادرة مؤخّرا) (2). وينبغي في المقام الأوّل الإشارة إلى أنّ النصّ القرآني لا يقدّم أيّ دعم للأفكار المسيحانيّة التي قد تكون انتشرت بين أوائل المؤمنين، فضلا عن غيرها من المفاهيم الآخرويّة على غرار "يوم القيامة" مثلا. فلا وجود في القرآن للفظ "المهديّ" أو لفظ «الدجّال»، ولكنّ الأولى مشتقّة من الجذر (هـ د ي) حيث يعني الفعل (هَدَى): قاد وأرشد ويعني المصدر (هُدَى): قيادة، إرشاد، وهما مصطلحان طالما تكرّرا في القرآن. وإذا ما قبلنا بأنّ هذه المصطلحات القرآنيّة تجد مرجعيّتها في قيادة موجّهة من قبل العناية الإلهيّة، فهي مع ذلك لا تبدو متضمّنة لأيّ مغزى أخرويّ. وبالمثل، فإنّ أوّل استخدام لكلمة "المهديّ" في القصائد الشّعريّة وفي بقيّة النّصوص العربيّة الإسلاميّة الأخرى الرّاجعة للقرن الأوّل الهجريّ لا يبدو متضمّنا لأيّ معنى مسيحانيّ، وذلك على الأقلّ إلى حين اندلاع الحرب الأهليّة الثّانية؛ بل هو يتضمّن بالأحرى، تلميحات إلى معنى الفرد الذي يسلك سلوكا قويما(3). ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ في هذا السّياق وجود نصّ سريانيّ مكتوب زمن الحرب الأهليّة الثّانية - وهو ما يقدّم لنا ربّما أوّل وصف تفصيليّ لأصول الإسلام – يصف محمّدا بأنّه (tar’â û mhaddyânâ) أي "معلّم وقائد" للـ"مهاجراي" mhaggrâyê (ما يعادل في العربيّة: المهاجرون، أي المؤمنين الذين هاجروا من مكّة إلى المدينة) (4). وبهذا، فهو يصف النّبي باللّفظ السّريانيّ mhaddyânâ القريب من اللّفظ العربيّ "المهديّ" وغيرها من الكلمات المشتقّة من الجذر (هـ د ي) بمعنى "الموجّه" أو "القائد". ومهما كان الأمر، فما من سبب يدعو للقول بتضمّن الألفاظ القرآنيّة المشتقّة من هذا الجذر لمعنى مسيحانيّ. وعلاوة على ذلك، فإنّ الآخرويّات القرآنيّة لا تتضمّن وصفا معقّدا ليوم الحساب (كما في رؤيا نهاية العالم، على سبيل المثال): فيوم الحساب القرآنيّ يبدو أنّه يأتي بغتة، دون إعداد مسبق ودون وجود أيّ شخصيّة مسيحانيّة. أضف إلى ذلك أنّ القرآن لم يذكر البتّة عودة مخلّص إلى هذا العالم، كما يجهل أيضا مفهوم المملكة القادمة، أو العهد الآتي المملوء سلاما وعدلا، ذاك الذي يسبق الدّينونة، أي السّياق المعتاد للأفكار الألفيّة (م: الأفكار الني تؤمن بدوام مملكة المسيح ألف عام قبل يوم القيامة). وإذا ما كان في القرآن ذكر لشخص أرسله الله، فإنّه سيكون محمّدا، أي شخصا موجودا بالفعل. وبالتّالي، فإنّ مجيئه متحقّق بالفعل وليس منتظرا، وهذا ما تصدقه الآية التّاسعة من سورة الصفّ:هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(5). ويحتمل أن يكون المقصود بكلمة "دين" هنا معنى "الشّريعة" (loi ) لا المعنى السّائد لهذه الكلمة (religion). ولا يبدو أنّ مثل هذه المقاطع تترك أيّ مجال لبروز وجه مسيحانيّ منتظر في الإطار المفاهيميّ للقرآن؛ فالحقيقة والخلاص متعيّنان في الواقع. ولعلّ الصدّى الوحيد للأفكار المسيحانيّة الموجودة في القرآن (وواضح في هذه الحالة أنّها مستوحاة من التّقليد المسيحيّ) هي لفظ "المسيح"، المستخدم في الإشارة إلى عيسى، والمشتقّ من اللّفظ السّريانيّ "مشيحا" mshîhâ (A. Jeffery, 1938, pp. 265-266). ويستخدم القرآن كلمة المسيح إحدى عشرة مرّة ضمن تسع آيات؛ خمس مرّات منها في عبارة "المسيح بن مريم" التي يبدو أنّ المقصود بها اسم علم، وليس نعتا. كما ترد ثلاث مرّات في عبارة "المسيح عيسى بن مريم"، ويكتفى ثلاث مرّات أخرى بكلمة "المسيح" فحسب. إلاّ أنّ المسيح القرآنيّ، على الرّغم من أصله الاشتقاقيّ، لا يبدو حاملا لمعنى "المخلّص" Messie (J. S. Trimingham, 1979, p. 267). فنحن نقرأ في الآية 171 من سورة النّساء مثلا: إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ.... وإذا ما كان القرآن يصف المسيح عيسى بن مريم بعدّة أوصاف، فهو لا يشير بالمقابل إلى أيّ دور مسيحانيّ أو آخرويّ له. كما أنّ القرآن يقدّم المسيح أيضا في سور آل عمران (3:45) والمائدة (5:75) والنّساء (4:172) بوصفه "الكلمة" (كلمة الله)، أو بوصفه "رسولا" فحسب، أي من حيث هو شخص لا يستنكف أن يكون عبدا لله، لكنّه لا يذكر مطلقا دوره الخلاصيّ. بل إنّ كلمة "المسيح" ربّما وجدت في مقاطع أخرى من القرآن في سياق معبّر عن الاستهجان. ففي سورة التّوبة (9:31) انتقاد للأحبار والرّهبان (أي أحبار اليهود والمسيحيّين ورهبانهم) لاتّخاذهم المسيح "ربّا" من دون الله. وتسم سورة المائدة (5 : 17) وسورة التّوبة (9 : 30) المسيحيّين بالكفر لقولهم بأنّ المسيح هو الله. فالقيمة السّلبيّة المسندة لمصطلح "المسيح" في هذه الآيات أمر يتناقض مع أيّ مفهوم آخرويّ للمسيح المنتظر أو المخلّص. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ المسيح يبدو من خلال عدّة مقاطع قرآنيّة شخصيّة تاريخيّة. ولا تحيل تلك الآيات البتّة على المستقبل، أي إلى ما يتوقّع وجوده إذا ما كان القرآن يتصوّر المسيح بوصفه "المخلّص": إنّها لا تعرض بالفعل على المؤمنين سوى درس مقتبس من مثال نبيّ غابر. فدور عيسى، على الرغم من تلقيبه بالمسيح، لا يبدو مختلفا عن دور غيره من الأنبياء في القرآن. ويبيّن لنا القرآن في سورة المائدة (5 : 72) (الإشارة الثّانية إلى المسيح) كيف كان المسيح يدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله، فيما تشير سورة النّساء (4:157) إلى اعتقاد (خاطئ) عند أولئك الذين قتلوا عيسى بأنّهم قضوا بذلك على "مسيح" المسلمين. وهذا ما نجده أيضا في سورتي آل عمران (3:45) والمائدة (5:75) سابقتي الذّكر: فجميع هذه الآيات تتناول أحداث الماضي وتبقى صامتة - وهذا هو الأهمّ- بشأن الآتي، ولا تعطي أيّ إشارة إلى وجود دور مستقبليّ لعيسى بوصفه "المخلّص". لذا، يجب علينا الاعتراف بأن تكرّر لفظ المسيح في القرآن لا يدلّ على تصوّر مسيحانيّ (6). ولعلّ ما يسند هذا الطّرح القائل بغياب تصوّر مسيحانيّ في القرآن، هو الغياب الكامل لأيّ ألفاظ أخرى محيلة على أفكار مسيحانيّة أو مشيرة إلى شخصيّة مسيحانيّة. ومن هنا، يبدو من الخطورة بمكان القول بوجود مسيحانيّة إسلاميّة أصليّة كما فعل كرون وكوك. إنّ هذين الكاتبين لا يريان أنّ غياب عناصر مسيحانيّة في النّصوص الأولى للتّراث الإسلاميّ (بما في ذلك القرآن، على ما نفترض) يعيق أطروحتهما. إنّهما يبرّران هذا الغياب بحدوث محو لاحق. وهما يقتصران في دعم الفرضيّة القائلة بأنّ الاتّجاهات المسيحانيّة كانت موجودة في الإسلام المبكّر على شهادة نصوص قديمة من أصل مسيحيّ أو يهوديّ، إضافة إلى الأثر الباقي الذي وصلنا - لحسن الحظّ - حول تلقيب الخليفة عمر بن الخطّاب بالفاروق. إلاّ أنّ افتراض وجود محو متعمّد، غير مقنع. فإذا ما كان عمر في اعتقاد أوائل المؤمنين هو المسيح، أي مخلّص أمّته، فلم اختاروا لاحقا محو هذه العقيدة؟ ذلك أنّ المحو إنّما يحدث عموما بهدف القضاء على ذكرى نبوءة لم تتحقّق في التّاريخ، أو مطلب لاهوتيّ أو سياسيّ كان من شأنه أن يبدو على مرّ الزمن عبثيّا. وبعبارة أخرى، فإنّ المحو يقصد به مداورة ارتباك ما؛ والحال أنّ قصّة الخليفة عمر لم تكن تمثّل أيّ ارتباك للمؤمنين. بل إنّ العكس هو الصّحيح: فعهد عمر يعتبر ذروة العصر الذهبيّ للأمّة المسلمة الفتيّة، في زمن كان فيه المؤمنون يعملون معا من أجل إقامة نظام جديد على هدي القرآن والسنّة النّبويّة. بل إنّ الخليفة عمر نفسه هو من يعتبر المؤسّس الحقيقيّ للإمبراطوريّة الإسلاميّة ومبدع العديد من المؤسّسات النّموذجيّة، بما في ذلك "الدّيوان" (العطاء المنتظم للجنود) و"الأمصار" (مراكز الاستعمار العسكريّ والإداريّ في البلدان المهزومة)؛ بل إنّ فترة حكمه هي التي شهدت أبرز انتصارات جيوش المسلمين ضدّ أعتى قوّتين في الأرض، البيزنطيّين والفرس، وفيه مدّت الإمبراطوريّة الفتيّة حدودها بطريقة مدهشة لتشمل أراضي شاسعة جديدة: سوريا، العراق، مصر، وجزء كبير من إيران، والحدود الجنوبيّة لأرمينيا والأناضول. وإنّه ليمكن للمرء أن يرى في كلّ هذه الوقائع أمورا من شأنها إضفاء المصداقيّة على فكرة أنّ عمر هو المسيح، ذلك أنّ دور المسيح، في التّقاليد اليهوديّة والمسيحيّة على الأقلّ، إنّما هو تحقيق العدل ونشر التّقوى تمهيدا ليوم الحساب. ولهذا السّبب، فإنّه من الصّعب القبول بالزّعم القائل بأنّ المؤمنين المزامنين لعمر أو اللاّحقين عليه قد رغبوا في محو مثل هذه المطلب المسيحانيّ. وعلاوة على ذلك، وعلى فرض حدوث مثل هذا المحو، فإنّه لا مندوحة من تحديد زمنه. فإذا ما كان المحو قد تمّ في وقت متأخرّ نسبيّا – أو بعبارة أخرى، إذا كان تمثّل عمر بوصفه شخصيّة مسيحانيّة قد تواصل لفترة طويلة نسبيّا في صفوف جماعة المؤمنين-، فإنّ تبلور الفكر التّاريخي والرّوايات التّاريخية الأولى بين المسلمين، والذي تشكّل خلال الثّلث الأخير من القرن الإسلاميّ الأوّل على أقصى تقدير (F. Donner, 1998) من شأنه ضمان بقاء أصداء كافية لهذه الفكرة في كثير من المأثورات، وهو ما لا نجد له أيّ أثر. وفي هذه الحالة، يحقّ لنا أن نتوقّع أن يكون محو المقاطع المسيحانيّة من القرآن سببا قويّا لبروز اختلاف بين المؤمنين، وهو ما لا نجد له أيّ أثر أيضا. أمّا الفرضيّة الأخرى، فمفادها أنّ إزالة الأفكار المسيحانيّة تمّ باكرا في حياة جماعة المؤمنين، وقبل وقت طويل من تبلور التّقليد التّأريخي. وفي هذه الحالة، يصعب تصوّر الغرض من هذا المحو في وقت شهد ازدهار الجماعة المسلمة ونجاحها العالميّ الصّاعق والمثير للإعجاب. ولقد تمّ تحليل المأثورات الإسلاميّة التي تسند لقب الفاروق إلى عمر بن الخطّاب بعناية من قبل سليمان بشير (1990Bashear,)، وبرهن على أنّ أقدم النّصوص التي جاء فيها نعت عمر بالفاروق تعود إلى أهل الكتاب، خاصّة يهود القدس. ولفهم هذه المرويّات، ينبغي النّظر إليها في سياق تاريخ اليهود في فلسطين في ظلّ الامبراطوريّة البيزنطيّة الرّومانيّة. ونحن نعرف أنّ الإمبراطور هادريان (Hadrien) قد قام - إثر تمرّد "بَرْ كُخْبا" (Bar Kokhba) على رومة (132-135 م) (هو «شمعون بَرْ كُخْبا» وينطق غالبا «بَرْ كُشْبا» أو «بَرْ كُشْوا» وهو قائد آخر تمرّد يهودي على الرّومان، وكلمة «بَرْ» آراميّة وتعني «ابن»- م)- بطرد اليهود من القدس وضواحيها، وأنّه تمّ منذ ذلك الوقت حظر دخول اليهود إلى القدس من قبل السّلطات الرّومانيّة البيزنطيّة (M. Avi-Yonah, 1976, p. 13؛ وانظر أيضا الخريطة الموجودة في: J. Prawer, 1996, p. 328). ولم تكن السّياسة البيزنطيّة دائما معادية لليهود، إلاّ أنّ التمرّد السّامرائي اليهوديّ في قيساريّة سنة 547 م وما جوبه به من قمع سيكون فاتحة عهد عصيب لليهود في فلسطين من قبل السّلطات المسيحيّة (A. Sharf, 1995, p. 98) وخاصّة قرارها استخدام مدارج المعبد في القدس مصبّا للقمامة. ولم يكن ذلك مجرّد عمل مقصود معبّر عن احتقار اليهوديّة فحسب، بل تأكيدا كذلك للعقيدة المسيحيّة التي ترى في تدمير الهيكل انتقالا للنّعمة الإلهيّة من اليهود إلى المسيحيّين. وأثناء الاستيلاء على المدينة من قبل الفرس عام 614 م، قام اليهود على ما يبدو بمساعدة الفاتحين الفرس مقابل السّماح لهم بدخول المدينة، بل وإدارة الأعمال التّجاريّة فيها لفترة وجيزة؛ ولكن يجب أن نتذكّر أنّ مصادرنا بخصوص هذه الأحداث، وهي في معظمها نصوص مسيحيّة (سيبيوس Sebeos، القائد أنطيخوس Antiochus Strategos، صفرنيوس Sophronius)، شديدة العداء لليهود، وبالتالي قد تكون مبالغة في الإشارة إلى تعاونهم مع الفرس ومضخّمة لدورهم في الأحداث الدّامية التي رافقت ذاك الاحتلال. وبعد استعادة بيزنطة للقدس سنة 630 م على يد هرقل (Héraclius)، تمكّنت السّلطات المسيحيّة في القدس من إقناع الامبراطور، رغم تعاطفه مع اليهود، بإصدار مرسوم يعلن إبعاد اليهود مرّة أخرى عن المدينة وعدم السّماح لهم بالاقتراب منها لأكثر من ثلاثة أميال. وهكذا دشّن هذا الامبراطور سياسة ستطبّق لاحقا بشكل متقطّع تقضي بتعميد اليهود تحت الإكراه (وهي السّياسة التي يشير إليها السّياق التّاريخي لعقيدة يعقوب) (7). وبعد هذه التّجارب المحزنة مع السّلطات البيزنطيّة، فإنّه ليس من المستغرب أن يقوم اليهود بتلقيب عمر بلقب "الفاروق" أي "المخلّص" بعد أن سمح لهم بالإقامة في القدس من جديد وإقامة عباداتهم في البقعة المقدّسة (M. Gil, 1996, pp. 167-169)، أو على حدّ تعبير بشير سليمان ((Bashear, 1990, p.69: "لقد نظر اليهود إلى عمر بوصفه الفاروق على إثر تحرير القدس من نير البيزنطيّين وإقامة الصّلاة مجدّدا في موقع الهيكل". إلاّ أنّ هذا لا يشهد بأنّ اليهود نظروا إلى عمر على أنّه المسيح، خاصّة في ظلّ غياب أيّ دليل يبيّن أنّهم كانوا يعتبرونه منحدرا من سلالة داوديّة. وربّما كان هذا اللّقب من باب المجاز للدّلالة على استبشار اليهود بفكرة التمكّن من العودة إلى المدينة، وهذا كاف لتبرير الحافز الذي دفعهم إلى وسمه بهذا النّعت. ومن هنا، فمن المبرّر تماما اعتبار لقب عمر "الفاروق"، غير كاف لإثبات وجود تصوّر مسيحانيّ بين أوائل المؤمنين. أمّا بخصوص النّصوص اليهوديّة والمسيحيّة التي يستخدمها كرون وكوك لدعم فرضيّتهما، فعلينا أن نذكّر بأنّها تصف أوّل ظهور للإسلام بألفاظ قياميّة وأحيانا مسيحانيّة، وذلك ربّما بسبب انتشار هذه التصوّرات على نطاق واسع بين المسيحيّين واليهود في تلك الفترة (F. Donner, 1991, pp. 43-46). فبالنّسبة للمسيحيّين، فإنّ الأحداث الكارثيّة التي عاشوها، ولا سيّما هزيمة جيوش الإمبراطور واختفاء الحكم البيزنطيّ، أضفت جاذبيّة كبيرة على تأويل النّظام الجديد بوصفه محنة قياميّة ستكون نتيجتها (وهذا هو المؤمّل) انبعاثا مسيحيّا ممهّدا ليوم الحساب. ومثل هذا التّفسير، هو ما سنجده لاحقا في عدّة نصوص على غرار سفر ميثوديوس القياميّ المنحول (Cool. أمّا بالنّسبة لليهود، فإنّ الإهانة التي لحقت القوى المسيحيّة – أو هزيمة "أدوم" كما تطلق النّصوص القياميّة اليهوديّة على البيزنطيّين – وكذلك عودتهم هم إلى القدس في ظلّ الخلفاء الأوائل، قد أيقظت الأمل في اقتراب عودتهم الأخيرة إلى الأراضي المقدّسة تحت قيادة المسيح الحقيقي (B. Lewis, 1949-1951 ; 1974 ; R. Hoyland, 1997 , pp. 308-312). وفي الواقع، فقد سبق لعدّة كتّاب يهود تصوير احتلال الفرس للقدس من خلال مشاهد قياميّة (B. Wheeler, 1991,p. 75, p. 84). وعلاوة على ذلك، فإنّ مجرّد تصوير نصّ مثل "أسرار الحاخام شمعون بن يوحاي" أوّل ظهور للمؤمنين بمنظور قياميّ، بل وبمصطلحات مسيحانيّة أحيانا، لا يمكن أن يقوم دليلا على تبنّي المؤمنين الأوائل أنفسهم فكرة آخرويّة مسيحانيّة. ومن المهمّ أيضا أن نذكّر بأنّ معظم هذه النّصوص اليهوديّة والمسيحيّة لا تشير في واقع الأمر إلى اعتقاد "السّرسنيّين" في مسيح منتظر؛ وهي تلجأ بدلا من ذلك إلى استعارات قياميّة ومسيحانيّة لتفسير مسألة ظهور المسلمين. ومع ذلك، فإنّ "عقيدة يعقوب"، وهو نصّ حجاجيّ موجّه ضدّ اليهود، يومئ إلى أنّ النّبيّ "كان يعلن مجيء المسيح الذي سيأتي". وبما أنّ معنى هذا المقطع لم يتوضّح تماما بعد، فإنّه لمن باب التسرّع الاعتقاد بأنّ هذه الجملة اليتيمة كافية لإثبات نظريّة المسيحانيّة الإسلاميّة الأولى التي لا يوجد لها أيّ أثر آخر، بما في ذلك داخل النصّ القرآني. ولنذكّر أيضا أنّ هذه العبارة في "عقيدة يعقوب" معزوّة إلى يهود "قيساريّة" ضمن رسالة يفترض أنّها تلقّيت من قبل شقيق الخصم اليهوديّ ليعقوب، أي أنّها رسالة تهدف بكلّ وضوح إلى دحض اليهود. فكيف ينبغي لنا إذن تقييمها؟ إنّ وضع أخطاء ومغالطات في فم العدوّ هو في الواقع تكتيك حجاجيّ معروف، ولذلك نتردّد في قبول هذا المقطع من النصّ باعتباره مجرّد وصف موضوعيّ لواقعة تاريخيّة. يمكننا أن نستنتج إذن أنّ التّقليد الإسلاميّ المتأخّر لم يكن في حاجة إلى محو الأفكار المسيحانيّة، وذلك بسبب عدم وجود قرينة قويّة تثبت أنّ تلك الأفكار كانت في وقت ما جزءا من اعتقادات النّبيّ أو اعتقادات أتباعه الأوائل. بيد أنّ هذا الاستنتاج يثير تساؤلات يجب علينا إيجاد أجوبة لها. لقد برهن سليمان بشير على أنّ التّقاليد التي تشير إلى عمر بن الخطّاب باعتباره "الفاروق" يعود معظمها على الأرجح إلى فترة متأخّرة نسبيا (ما بين القرنين الثّاني والرّابع للهجرة)، بما في ذلك تلك التي تضع منشأ ذلك اللّقب في سياق إسلام عمر أو في سياق نزول الآية 60 من سورة النّساء. ولكن إذا لم تكن المسيحانيّة جزءا من تبشير النّبيّ ولا هي من معتقدات أتباعه الأوائل، فما هو إذن أصل هذه التّقارير المتأخّرة وأساسها المنطقيّ ؟ وإذا ما كان لقب "الفاروق" أضفي في البداية كلقب فخريّ على عمر من قبل يهود القدس - وهو ما لا تحتفظ التّقاليد اليهوديّة نفسها بأيّ أثر بشأنه - فلم حظي هذا اللّقب بعناية كبيرة عند المسلمين ولم يحظ بمثل ذلك بين اليهود؟ يمكننا حلّ هذه المسائل إذا ما نحن سلّمنا بالطّابع غير المذهبيّ لحركة المؤمنين الأولى، أي إذا قبلنا إمكانيّة أن تكون جماعة المؤمنين غير شاملة أتباع محمّد والقرآن فحسب، وإنّما أيضا المسيحيّين واليهود المتديّنين (وهذا موضوع مقال لي سيصدر قريبا). فهذا التّسليم، من شأنه تفسير بقاء التّقارير الأولى التي تشير إلى لقب "الفاروق" حيّة إلى حدّ الآن، ذلك أنّ مصدرها هم اليهود الذين كانوا يعيشون مع المسلمين: لقد كان من جملة أوائل المؤمنين يهود (ومسيحيّون)، فضلا عن المسلمين. إنّ معاني لفظ "المؤمن" ولفظ "المسلم" لن يعاد تحديدها إلاّ في وقت لاحق، ربّما في أواخر القرن الأوّل الهجري، حين سيضحيان مترادفين بهدف إخفاء الطّابع التعدّدي لجماعة المؤمنين الأولى. ففي تلك اللّحظة، تمّ فصل المؤمنين المسلمين عن اليهود والمسيحيّين مرّة واحدة وإلى الأبد؛ وهو ما عنى أن يغدو المسلمون منذئذ طائفة توحيديّة متميّزة. إنّ التّقارير المتأخّرة التي تفسر منشأ لقب "الفاروق" في سياق تحوّل عمر إلى الإسلام أو سياق الوحي القرآني، تبدو محاولة لصرف أنظار المسلمين الآتين عن التّقارب السّابق بين أوائل المؤمنين اليهود (والمسيحيّين) والمسلمين. ولم يكن اكتشاف أصل أكثر "إسلاميّة" للفظ الفاروق، إلاّ بهدف زيادة المسافة الفاصلة بين اليهود وبقيّة المؤمنين في أذهان الأجيال المتعاقبة. هذا ما يبدو لي تفسيرا أكثر إقناعا للنّصوص الإسلاميّة وغير الإسلاميّة التي ينبغي علينا تأويلها، بدل افتراض وجود عقيدة مسيحانيّة في أصل الإسلام تمّ محوها لاحقا. الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 6:26 am | |
| | |
|
| |
traveller عضو مميز
عدد المساهمات : 207 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 0 تاريخ التسجيل : 24/10/2014
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 6:38 am | |
| نعم اخي الكريم تسجيل متابعه جعلهم الله في ميزان حسناتكم مودتي لكم | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 6:46 am | |
| جزاك الله خير مشكور ع التسجيل للمتابعه شرفني ذلك جدآ يكفيني تواجدكم وقرآئتكم | |
|
| |
traveller عضو مميز
عدد المساهمات : 207 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 0 تاريخ التسجيل : 24/10/2014
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 6:58 am | |
| - عالمي كتب:
- جزاك الله خير مشكور ع التسجيل للمتابعه شرفني ذلك جدآ يكفيني تواجدكم وقرآئتكم
والله معرفتكم والتواصل معكم شرف كبير لنا بارك الله فيكم | |
|
| |
zanbaq عضو ماسى
عدد المساهمات : 1357 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 16 تاريخ التسجيل : 12/04/2014
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 8:38 am | |
| مهدی هو شخص عادی ================================================== اللهم نورقلوبنا بنور طاعتك و ألهمنا ذكرك و شكرك و أرزقنا الإنابة إليك و حسن التوكل عليك
| |
|
| |
traveller عضو مميز
عدد المساهمات : 207 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 0 تاريخ التسجيل : 24/10/2014
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الجمعة يونيو 17, 2016 9:22 am | |
| - zanbaq كتب:
- مهدی هو شخص عادی
+1 | |
|
| |
سكيلاتشي عضو نشيط
عدد المساهمات : 362 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 3 تاريخ التسجيل : 16/04/2015
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الإثنين يونيو 20, 2016 8:55 pm | |
| عالمي طاقمي أول ما قرأت مقالك انتابني استشعار بالدابة يعرفها الصوفيون و السفسطائيون تخرج بين المدائن 7 تحكي 6 تحاكي 9 تحك 3 يايإضافة لمدن الربع الخالي الموجودة إيه موجودة في مكان ما زمان مي و مو المهم أخي البسيط لست أعلم عن علاقة تجسد الإلاه الثاني و المسافر traveller أشك يقيناً أنه له قصة السفر و كتاب سفر الخروج zanbaq سآمهني كوكب نيبرو أحمر أو ما يعرف بكوكب x هو نفسه ايزون المسامحة إلى الوداع ================================================== https://www.facebook.com/profile.php?id=100010507038832 ركن التعارف بإسم بسم
| |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الأربعاء يونيو 22, 2016 4:45 am | |
| سكيلاتشيهل تكفيك كلمه احبــــــــــــــــــــك | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الأربعاء يونيو 22, 2016 4:46 am | |
| الدابه صوفيه سفسطائيه وساحره | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الأربعاء يونيو 22, 2016 4:50 am | |
| | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الأربعاء يونيو 22, 2016 10:37 am | |
| سكيتلاتش الاصدقاء لا يقولون وداعا | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الأربعاء يونيو 22, 2016 10:38 am | |
| هل اعجبكم موضوعي الموضوع انتهى لكن بالنسبه للمهدي سالو رسول الله فيما يعرف قال بالسكينه والوقار يعني الهيبه وقال ايضا كلامه شهي يقصد اللمهدي | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الأربعاء يونيو 22, 2016 10:41 am | |
| كل ماتره عباره عن خزعبلات واكااذيب حتى احاديث الدابه | |
|
| |
عالمي عضو مميز
عدد المساهمات : 254 السٌّمعَة ( اضغط علامه + او -) : 5 تاريخ التسجيل : 13/06/2016
| موضوع: رد: ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني الأربعاء يونيو 22, 2016 10:43 am | |
| صبح صبح مافي احد يسولف معي الصباح انا فاااضي | |
|
| |
| ماهي اسطوره تجسد الاله الثاني | |
|