معاً على طريق الإصلاح كيف نبدأ؟

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

إخوتي وأخواتي المسلمين

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

لماذا فسدت الأرض؟

خلق الله تعالى الأرض وأسكن الإنسان فيها

فلما كان للإنسان قدرة على صنع التغيير على الأرض خرجت الأرض من دائرة الثبات

فالأرض ليست ثابتة بقوانين ثابتة كالسماء

لكن الله تعالى وضع للأرض ميزانها الذي يجعلها ثابتة مستقرة

وهذا الميزان هو الشرع والقانون الإلهي العظيم الذي أنزله إلى البشر بالوحي إلى أنبياءه الكرام صلوات الله تعالى وسلامه عليهم

فما الذي حدث للأرض؟

كما قلنا الأرض خلقت بالحق أي على منهج سليم ولم تخلق عبثاً حاشا لله تعالى

ولكن

لأن الأرض دار اختبار للإنسان فقد شاء الله تعالى أن يعطي الإنسان فيها مطلق الحرية لكي يغيير فيها وفقاً للمساحة المعينة التي حددها الله تعالى له

فالإنسان لن يتمكن حتى تقوم الساعة من أن يغيير اتجاه الشمس بأن يجعلها مثلاً تشرق من الغرب

لكن الانسان أُعطي مساحة كبيرة للتغيير

وهذه المساحة ضرورية كما نعلم حتى يتمكن الانسان من امتلاك خاصية الاختيار

فالله تعالى لم يخلقنا مقيدين

لأنه سبحانه يحبنا

فالحرية والانطلاق حين تمنحها لشيء أنت قادر على منع حركته هذه الحرية دليل محبة

والأمر الآخر أن التقييد لا يتم به الاختبار

فلو خلقنا الله تعالى غير قادرين على بناء البيوت وقطع الأشجار وتعبيد الطرق وفعل كذا وكذا لن نكون قادرين على أن نواصل الحياة ولن تستمر الحياة

ولكن الأرض التي للإنسان سلطة عليها قد فسدت
لكن لماذا السماء لا تفسد حركة الكواكب فيها مثلاً كما تفسد الأرض بما فيها؟

لأن السماء لم تخضع لقابلية انحراف الميزان وهي لا تدخل ضمن مساحة حرية الانسان واختياره فليس للانسان اية سلطة عليها او قابلية للتغيير فيها كما له سلطة على الأرض بإذن من الله تعالى

وهنا نتعلم أمراً يتعلق بقضية إصلاح الأرض

وهو أن هذه الأرض لا يمكن ان تكون صالحة إلا لو اعتدل ميزانها بالحق

وميزان الحق الخاص بالأرض هو أن يقوم الإنسان عليها بتقويم الإعوجاج فيها

فأي فساد نراه في حياتنا اليوم هو نتيجة انحراف في الميزان

لا اقصد بالفساد طبعا كما تعلمون فقط مدلول الفساد الأخلاقي

لأن هناك فساد أكبر من الفساد الأخلاقي

فعقوق الأبناء لآبائهم فساد في الأرض له علاقة باختلال ميزانها

ضرب الزوج لزوجته فساد في الأرض

نشوز الزوجة وتعاليها على زوجها فساد في الأرض

طرد أسرة فقيرة فقد رب البيت فيها عمله لأنه لم يتمكن من دفع الإيجار فساد في الأرض

مليارات الفقراء في العالم ومن يموتون جوعاً كل يوم وجودهم ومعاناتهم تعني أن الأرض فاسدة فهذا الفساد وقع لأن العدالة غابت

النظر الى المحرمات في التلفاز وعلى اجهزة الكمبيوتر فساد في الأرض

أكل أموال الأيتام فساد في الأرض

وكثير وكثير جداً من مظاهر هذا الفساد

والله تعالى وضع للأرض قانونها الذي يجعلها قائمة معتدلة لا اعوجاج في أحوالها

وهذا القانون لأنه اختياري وليس اجباري نجد ان الانسان التزم به لفترات وتركه لفترات أخرى ولم يلتزم به

وهكذا نفس الشيء ينطبق على الفرد

حين تلتزم أنت كفرد بالقانون الإلهي فإنك لا تغيير الأرض أو تصلح البشرية لكن

أنت تصلح نفسك ومن حولك أولاً

وحينها سوف تشعر بتناسق بينك وبين الكون

ستكون جسداً وروحاً على وفاق كبير مع ما حولك حتى مع الشجر والحجر

فالإصلاح الفردي هو أول لبنة نحو الإصلاح الجماعي

لا يضيرك أن الكون من حولك فاسد

هذا يجب أن لا يمنعك من أن لا تكون جزءاً من هذا الفساد

فإذا فسدت الأرض لأنها غير ملتزمة بقانون الحق سبحانه وتعالى الذي وضعه الله تعالى لسكانها لكي تستقيم شؤونهم، فإنك أنت كفرد سترى كيف أن حياتك الصغيرة تستقيم حين تتناسق مع هذا القانون وتتوافق معه

فسدت الأرض فشعر أهلها بالأوجاع والأمراض والفقر الشديد والهم والغم في البيوت وخارج البيوت وقل الخير وزادت الجرائم وعاش الناس في قلق كبير من المستقبل ... كل هذا الفساد الذي تعيشه الأرض اليوم لأن الأرض نزل اليها من السماء قانون توازنها ورخائها وسعادة سكانها لكنها رفضته ولهذا فسدت

ولكن انت كفرد لا تربط بين فساد الكل فأنت لست نبي مرسل برسالة فقد ختم الله تعالى الرسالات

وانت لا تمتلك الأدوات لتغيير الأرض

لكن انت تمتلك أدوات تغيير نفسك

وأول هذه الأدوات هي النية الصادقة للتغيير واعلم انك لا تهدي نفسك إنما الهادي هو الله وحده سبحانه

ومن ثم تمتلك أدوات تغيير من حولك

وأول وأهم هذه الأدوات هي ايضاً الرغبة الصادقة التي ان صدقت في قلبك لاشك أعانك الله تعالى على انجاز هذا التغيير

لماذا نتغيير ونغيير من حولنا

لكي نكون اسعد ويكون من حولنا اسعد

حين تتصالح مع نفسك

فأنت تصبح لديك امكانية للتصالح مع الاخرين

وحين تتصالح مع الاخرين يتصالح معك الكون

والذي يجعل الكون يتصالح معك هو الله تعالى

لماذا؟

لأنك لم تتصالح مع نفسك إلا بعد أن عدت إلى من خلق نفسك وخلق الكون الذي تعيش فيه

فأول خطوة نحو الإصلاح هي أن تعود

تعود الى الله سبحانه وتعالى

وليس العودة سهلة ولا تتم بجرة قلم

عليك ان تقرر اين تريد ان تذهب

الى جنة ونعيم

ام الى نار ابدية لا تنطفىء نارها

بهذه البساطة هي المعادلة؟

نعم بهذه البساطة

نار لا خروج منها

ام جنة لا خروج منها؟

اليوم تعيش 60 سنة او 70 سنة او 80 سنة؟

اغلب الناس اصبحت تموت في الستينيات

هل هذه حياة طويلة؟

انها رحلة قصيرة جدا جدا

لا تظن ابداً أن حياتك طويلة

قارن بين هذه الستين او السبعين سنة وبين

مليون سنة في الجنة

عشر ملايين سنة في الجنة

100 مليون سنة في الجنة

مليار سنة في الجنة

هل تعرف ما معنى إلى الأبد؟

أيهما اكبر

مليار ام إلى الأبد؟

بالطبع انت تعرف

إلى الأبد اكبر

يعني كم ستعيش في الجنة؟

5 مليارات سنة؟

10 مليارات سنة؟

100 مليار سنة؟

1000 مليار سنة؟

مليون مليار سنة؟

مليار مليار سنة؟

لا لا ستعيش اكثر من كل هذه السنين

وفي المقابل ان كنت من اهل النار

كم ستعيش والعياذ بالله في النار؟

مليار مليار سنة؟

لا بل اكثر من ذلك بكثير ان كنت من المخلدين فيها

اذاً اعقل ذاتك وفكر في مصلحتك وفكر في مستقبلك

هل 70 سنة عندك تساوي مليار مليار سنة في الجنة؟ لى الأبد؟

هل تعلم أن الجنة لا ملل فيها؟

هل تعلم ان هذه المليار مليار مليار مليار سنة واكثر واكثر بكثير من ذلك الى ابد الابدين

هل تعلم ان كل هذه السنين التي لا نهاية لها لن تشعر فيها بجزء من ثانية من ملل؟

إذاً لماذا نضييع كل هذا؟

ومن أجل ماذا؟

أنا اقول لك لماذا يضييع بعض الناس كل هذا

أخي المسلم

اختي المسلمة

انها الحرب

الحرب التي أعلنت علينا جميعاً نحن البشر منذ لحظة نزول ابونا آدم وأمنا حواء عليهما السلام إلى الأرض

هذه الحرب الخفية الكبيرة جداً هي التي تجعلك مشوش

تجعلك لا تعرف ماذا تفعل

تجعلك يوم تقرر انك ستكون على المنهج الصحيح

وفي اليوم التالي ستضعف وتقول فقط هذه المرة فقط هذه المرة

نعم هي حرب كبيرة جداً

هي أشرس حرب دارت وستدور على وجه الأرض حتى تقوم الساعة

هو لا يريد لك هذه المليار مليار سنة في الجنة واكثر منها

هو لا يريد لك هذا النعيم الدائم

الموضوع مفهوم عندنا جميعاً

البشر يفهمون كل شيء

حتى كل ما اقوله مفهوم لنا جميعاً

انا وغيري من الذين يكتبون ويبثون هذه الأفكار ومن قبلنا الدعاة والمصلحين والعلماء كل ما نقوله ليس شيء جديد يسمعه الناس أول مرة

لا كل ما يقال ويبث هنا وهناك من المسلمات

نحن المسلمون جلنا يفهم دينه جيداً

وليس فينا إلا ما ندر من الذين لا يعرفون الحلال والحرام

ليست مشكلتنا مشكلة معرفة او ثقافة دينية ابداً

المشكلة هي ان بعضنا ولا نعمم

بعضنا او كثير منا لا يهم المهم ليس الكل

هذا البعض وهذا الكثير لا يفهمون حقيقة ما يجري

الذي يجري هي حرب حقيقية تدار منذ آلاف السنين واليوم هي في واحدة من أشد حلقاتها

هذه الحرب المعلنة على أبناء وبنات سيدنا آدم عليه السلام تمر اليوم بمنعطف تاريخي كبير جداً

اليوم هي في أشرس وأقوى وأشد صورها

وهذه الشراسة الغير مسبوقة والاستثنائية جداً هي سبب تخبط الكثيرين وعدم مقدرتهم على ضبط ايقاعهم الديني وفق المنهج الصحيح

فمشكلة البعض انه لا يرى حقيقة ما يجري في هذه الحياة

ولكن

حين يكتشف حقيقة ما يجري لن يصدق من هول المفاجأة

حقيقة ما يجري ان الأرض ملأى بالشياطين منذ عهد ابينا آدم عليه السلام واليوم هي كذلك

ولكن نسبة استجابة الناس اليوم لشياطين الجن والإنس هي نسبة عالية جداً

هذه الشياطين تريد أن تأخذكم معها الى نهايتها البائسة

تريد رفقة

لا تريد ان تسكن جهنم وحدها

تريد ان تضمن بكل الطرق الممكنة أنكم واقصد بأنكم هؤلاء البعض الذين اتحدث عنهم

أنكم ايها البعض من البشر لن تفكوا السلاسل والأغلال والقيود التي قيدتكم بها

وكلما أردتم ان تكسروا هذه القيود خدعتكم هذه الشياطين بكل الطرق الممكنة وبكل الوسائل

فأنتم على مفترق طرق مصيري

فالموت لا رجوع منه

فقارنوا بين مليار مليار سنة وأكثر بكثير في الجنة ونعيمها

وبين

مليار مليار سنة وأكثر بكثير في النار وحرها ونصبها وغمها

في اللحظة التي ستقولون فيها لا نبيع الجنة بسبعين سنة

في هذه اللحظة سينكسر اول قيد وسلسلة سلستكم بها الشياطين

وفي اللحظة التي ستبدأون فعلياً في رفض أوامر شياطين الإنس والجن التي تأتيكم على شكل اقتراحات ستنكسر الحلقة التي تتجمع فيها مجموعة السلاسل

حين تضعفون وأنتم في منتصف الطريق

ربما سيقولون لكم لم يحن وقت الموت بعد فأنتم صغار ... شباب

وما ادراكم؟ كيف ستصدقونهم؟

هل الشياطين التي توسوس لكم يعلمون الغيب؟

لا تصدقوهم حين يقولون لكم الا ترون كيف ان اجسامكم تنبض بالحيوية والقوة؟ هل اجساد نضرة كهذه يمكن ان تموت الآن؟ لازال امامكم سنين وسنين ومتسع من الوقت فلا تتعجلوا ان تجعلوا حياتكم صعبة من الان بالالتزام

وهل قوة الجسد ونضارة الوجه دليل أنكم قد لا تموتون بعد ثوانِ معدودة؟

هم سيواصلون التزيين لكم بكل الطرق الممكنة

هي حرب خفية

ولأنها خفية انتم لا تشعرون أنها حرب

انهم يزينون لكم ما تحبون

لا ما تكرهون

هل سمعنا يوماً عن شيطان يوسوس لإنسان طبيعي أن يشعل النار في جسده أو يقتل ابنه؟

في الأصل الشيطان يوسوس لكم ان تفعلوا ما تحبه نفوسكم

وختاماً

لن يتحول اي منا الى ملاك او شخص معصوم فهذا ليس الهدف من الإصلاح

لكن الهدف من الإصلاح دوماً هو البحث عن الحد المطلوب والمعقول والطبيعي من وجهة نظر الشرع لمستوى الأفعال الصائبة والأفعال الخاطئة

ولكل مجتهد نصيب

فربما وصلت في إصلاح نفسك إلى مراتب عالية جداً كالصحابة

صحيح انك لا يمكن ابداً أن تنال مرتبة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم

فهذا لا تعمل عليه لأنه أمر انقضى لذلك العهد ومن عاشوا فيه

لكن هل يعني هذا انك لا يمكنك ان تصل الى مرتبتهم من ناحية التقوى والالتزام؟

ابداً فهذا غير صحيح

انت يمكنك ان تصل الى مرتبة الصحابة والتابعين من ناحية الالتزام وهي مرتبة متاحة لكل مسلم ومسلمة إلى ما شاء الله تعالى

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

حقوق النشر غير محفوظة