نتحدث هنا عن أمرين غاية فى الأهمية فى حياة المهدى عليه السلام والتحيات والبركات .. الرجل الشبح ..
وهما الخروج والإصلاح .. حدثان مرتبطان ببعضهما البعض ..
فى ليلة واحدة مباركة .. هى خير من ألف شهر .. وخير من قرن يسبقها ..
هى يوم الفصل فى حياة رجل الساعة بما تحمله فى كل لحظة وساعة ..
تمتد لحظات الأمر بالخروج حتى الإصلاح لعدة ساعات فقط فى حساباتنا الفلكية
تبدأ فجأة وبسرعة فائقة من منتصف الليل حتى مطلع الفجر ..
لكن الزمن الحقيقى المستغرق فى عملية ومراحل الإصلاح لا يعلمه إلا الله والملائكة الموكلين بالأمر وبالروح والحضور الكرام مما يشاء الله تعالى ..
ونبدأ فى سرد بعض التلميح والتوضيح والتفصيل ..
فى البداية نتأمل سويا ترتيب أربع سور من القرآن الكريم
وهم سور " النحل ثم الإسراء ثم الكهف و مريم " وأعتقد أن هذا التتابع ليس عبثا ..
فخروج المهدى وإصلاحه يمر بهذه السور بالترتيب .. كيف ؟
فواتح سورة النحل تشير إلى " الأمر " للملائكة .. سورة الإسراء تشير أيضا إلى " المعراج " .. سورة الكهف تشير إلى " الهدى " .. سورة مريم تشير إلى " مريم وعيسى " عليهما السلام ..
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (2) النحل ..
فى ليلة صافية من ليالى الشتاء القارس وعند منتصف الليل ..
رجلا نائما ومستغشى بغطائه تماما فى نوم عميق .. والنجوم تتلألأ فى السماء والليل وما وســق والقمر إذا إتســق ..
يصدر الله جل جلاله أمرا عظيما وعلى وجه السرعة إلى وفد رفيع من الملائكة على رأسهم جبريل والأمر يحمل من كل أمر ويحمل الروح بالنزول كالريح العاصفة ويتوجهون إلى هذا الرجل النائم وهو المهدى وعندما يقترب جبريل من السماء الدنيا يصيح صيحة عظيمة تشبه إلى حد كبير صوت النسر يسمعها كل الإنس والجن ومن مكان قريب ينادى المهدى أن إستيقظ ..
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (1) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (1) ق ..
وإليكم نص نداء جبريل عليه السلام من القرآن إلى المهدى النائم المدثر ..
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُر(5) وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِر(6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ(7) المدثر
ومضمون النداء ومهمة المهدى بإختصار " إنهض للحرب والفصل هدفك أن تكون كلمة الله العليا وعليك بالطهر والتقوى والصبر " ..
وأتصور أن المقصد الإلهى لكلمة المدثر تشير إلى ثلاثة أمور أنه رجل نائم يدثر بغطائه شتاءا وأنه مستتر بستر عظيم من الله الستار وأنه سيملك كل الدنيا ..
أعتقد والله أعلى وأعلم أن المهدى بعد الاستيقاظ والطهارة والوضوء تعرج الملائكة به فى رحلة الإصلاح إلى السماء وفى مكان إقامة عيسى ومريم عليهما السلام " وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ " المؤمنون 50 ..
وهناك تتغير قوانين الزمن وبمجرد الوصول تبدأ مراحل الإصلاح ..
وإليكم الإشارة الربانية لسرعة الملائكة فى النزول بالأمر والقيام بعملية الإصلاح من القرآن والله أعلم ..
" وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا(2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا(4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا(6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ(7) المرسلات ..
فالأمر يبدأ بإرسال الملائكة بمنتهى السرعة كالريح العاصفة لنداء المهدى ثم تبدأ ثلاثة مراحل لعملية الإصلاح : أولا " وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا " الملائكة هنا تنشر العهد والميثاق أمام المهدى ليقرأه ويقر ويعاهد الله بما فيه .. ثانيا " فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا " الملائكة تقوم بفرق وشق صدر المهدى وإخراج القلب وتطهيره وتهيئته لإستقبال وتلقى الروح من الله وإقتلاع الغدة المسؤولة عن وسوسة الجان وغير ذلك من إصلاح كامل الجسد من كافة الأمراض أو العيوب .. ثالثا " فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا(6) " بعد تهيئة قلب المهدى لإستقبال إلقاء الملائكة للوحى والروح من أمر الله يتم إلقاء الأوامر التى تحمل الروح " العلم اللدنى " والذى يحتوى فى طياته علم الكتاب .. والأمر للمهدى إما يحمل عذرا وبشرى ورحمة للمؤمنين وإما نذرا وعذابا وهلاكا للكافرين ..
" تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ " القدر (4) ..
بعد أن تنتهى الملائكة من مراحل عملية الإصلاح يقوم المهدى عليه سلام الله شخصا آخر تماما وكأنه الانسان الكامل فى أحسن تقويم والكمال لله وحده جل فى كماله وجماله وعلاه سبحانه ..
بعدها يلتقى عيسى ومريم عليهما السلام ويسلم ويتعرف عليهما وما شاء الله من الأنبياء والمرسلين فى حضور مهيب للملائكة ومشهد غاية فى العظمة ولاتستطيع الكلمات وصفه .. وهنا يؤذن لصلاة الفجر فيتقدم عيسى بن مريم إماما لكل الحضور ويصلون صلاة الفجر جماعة فى ليلة مباركة مشهودة من الله ..
" وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ(5) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ(2) الفجر ..
إنه قسم عظيم جدا يارب العالمين ما أعظمك وأعظم قسمك ..
ولذلك عندما يستقبل المهدى عيسى بعد نزوله وتشريفه للأرض فى وقت صلاة الفجر يتأخر المهدى لكى يتقدم عيسى إماما للحضور ويأبى الكريم كلمة الله عيسى بن مريم عليهما السلام أن يتقدم على رجل أراد الله له إمامة المسلمين ومحاربة الشيطان والدجال ويأجوج ومأجوج ومن تبعهم وقيادة أعظم الجيوش وتوحيد الأراضين السبع وإعلاء كلمة التوحيد .. رجل تجلس بجواره خير نساء العالمين مريم إبنة عمران سلام الله عليها وتحياته وبركاته ..
وأعتقد والله أعلى وأعلم أن بعد العهد والاصلاح والتلقى ينزل المهدى إلى الأرض وبصحبته مريم بعد أن يتم عقد قرانه بها فى السماء فى هذا الحضور المهيب وبمباركة من الله الواحد القهار .. العزيز الحكيم ..
وإنه بعد إستقراره فى مركزه بالأرض الثانية يقوم بإختيار خاصته المقربين بإرشاد إلهى كأنه يعرفهم تمام المعرفة ... إنهم المختارون
" إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " يوسف 90 ..
ولتبدأ مرحلة جديدة من حياة المهدى وأصحابه مليئة بالجهاد والقيام فى سبيل الله وعزة الإسلام والمسلمين والعزة لله جميعا ..
ودحرا للباطل والظلم وإنتصارا للحق والعدل ..
يقرضون أنفسهم لله إبتغاء مرضاته ونصرته ..
وتنفيذا لإرادة الله ذى العزة والجبروت مالك الملك والملكوت ..